بدر محارب:العالم مدهش.. ولا نهاية للقلق!


أفراح الهندال

بين الجمال في أعمال الكاتب المسرحي والناقد بدر محارب ومقاومة الجهل والرقابة والتهميش والسرقات نعرف اسمه جيدا، وبين اللا متوقع واللا تقليدي واللا مهادن يكتب من دون توقف، لذا نترقب إصداراته وأعماله ونحتفي بها متى أطلت.
حاورته قبل سنتين بأسئلة مختلفة في صحيفة "الكويتية"، ووجدت إجاباته حرية أن تسرد بنسقها الجميل مقتصة منها أسئلتي..
لا تتوقفوا عن قراءة ما بين سطورها..




لا كتابة بلا قراءة
قصة حبي للكتابة سبقتها قصة حب أقوى وأعمق تأثيرا،  وهي قصة حبي للقراءة، فمنذ الطفولة، وتحديدا منذ المرحلة الإبتدائية، بدأت بالتعرف على هذا العالم الجميل المدهش، وأصبحت أقرأ كل ما تقع عليه عيناي، ولا أنسى بائع قصص الأطفال المصورة الذي كان يفترش الأرض خارج سور مدرسة ابن رشد الإبتدائية في منطقة الفيحاء قرب باب الخروج، ويضع قصصه بترتيب جميل، فاضع كل مصروفي بين يديه لأقتني يوميا بعضا من تلك القصص الخيالية، وهو لم يكن مصروفا ذا قيمة بحسابات اليوم ، لكن مائة فلس، كانت مبلغا قيما في ذلك الوقت.
تطور نهمي للقراءة حين أفتتحت الجمعية التعاونية، وتعرفت على المكتبة العامة، فكنت أرتحل لها يوميا مشيا على الأقدام في جو قائض شديد الحرارة أو ممطر شديد البرودة، لا يهم، فالمهم هو أن اصل في موعدي، وفي أحيان كثيرة كنت أقف خارج المكتبة أنتظر وصول أمينها ليفتح الباب، لأكون أول من يدخلها، وكنت أيضا آخر من يخرج منها، حين يخرجني أمين المكتبة من عالمي السحري مع الكتاب بقرع الباب بقلمه معلنا موعد إغلاق المكتبة.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد كانت أيام الأسبوع السبعة بالنسبة لي ليست مجرد أيام، بل كان كل يوم فيها مخصصا للشراء والقراءة، فكنت أحرص على شراء المجلات المحلية واللبنانية والمصرية الأسبوعية يوميا، ففي كل يوم كان لي موعد مع مجلة عربية، فتعرفت على أسماء رائعة وثقافات جديدة وأساليب للكتابة غير تقليدية، ومنها انطلقت إلى عالم الكتب السحري الجميل ولا زلت.






المسرح ... لماذا؟
لم أجرب الكتابة إلا حين وصلت للمرحلة الثانوية، ومن منا لم تحركه مشاعره وعواطفه في تلك المرحلة العمرية ولم يكتب؟ الكتابة في ذلك العمر، هي كما اراها تنفيس لدى البعض عن بعض عواطفهم وانفعالاتهم في فترة المراهقة دون أدنى اهتمام بالأسلوب أو قواعد الكتابة الصحيحة، وهي لدى البعض الآخر محاولة لاكتشاف الذات بعد خوض غمار القراءة لسنوات طويلة بحب وعشق وهوى ، فكنت من النوع الثاني، وأزعم أني ربما قد نجحت في توصيل ما كتبته بأسلوب أدبي قد تفوق على سنوات عمري في تلك الفترة، بدليل أني كنت الطالب المفضل لدى مدرس اللغة العربية وخصوصا في مادة التعبير، حيث أنه كان غالبا ما يقرأ نصوصي على الطلبة بإلقاءه الجميل، وسط استحسان الطلبة، وأرى اليوم أنه قد يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي جذبني للكتابة المسرحية، لما يتضمنه النص المسرحي من إلقاء مباشر للجمهور وتلقي ردود الأفعال في الوقت ذاته، فاتجهت للتعرف على هذا الكائن الحي الجميل، وتفرغت لقراءة النصوص المسرحية والكتابات النقدية حوله واكتشاف أعلام المسرح في العالم كله، وهو ما دفعني في نهاية الأمر إلى التوجه بعد الثانوية العامة للمعهد العالي للفنون المسرحية.
 
المسرح يقتحم حياتي
شئت أم ابيت! المسرح هو قدري، كنت طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ودرست على أيدي اساتذة أفاضل لهم باع كبير في المسرح العربي، ثم حين تخرجت، عملت في إدارة خاصة بالمسرح، و كتبت وأخرجت للمسرح أكثر من عشرين عملا مسرحيا، وقبل هذا كله كان المسرح حاضرا في حياتي من خلال حضوري الأعمال المسرحية أو مشاهدتها عبر الشاشة الصغيرة، أو قراءتي للنصوص المسرحية العربية والعالمية ،ورغم هذا كله، لا زلت أنتظر الفرصة.

الدولة الأب
الدولة تتعامل مع الفن والأدب كما يتعامل أب مليونير مع أبناءه، فهو لا يلتفت لمطالبهم، وهو أيضا غير مقتنع بما يملكونه من قدرات فنية وثقافية، فيقمع الابن المسرحي، ولا يشجع الإبن الشاعر، ويهمل الإبن الروائي، ويسخر من الإبن الرسام، ولا يرى مستقبلا للأسرة سوى في تفرغه هو فقط لتنمية المال بالاستثمارات الخارجية وبناء الأبراج الشاهقة، متصورا أن تنمية المال تتعارض مع تنمية الإنسان.

فرحة غير مكتملة
في الكويت، نحن فرحون لوجود المعهد العالي للفنون المسرحية الذي تأسس منذ عقود واحتضن ولا يزال المواطنين وأبناء الخليج والجزيرة العربية، وفي الوقت نفسه نتحسر لحرماننا من دار للأوبرا او صالة عرض حديثة، او مركز ثقافي على مستوى حضاري، ونتأسف لعدم اطلاق يد القطاع الخاص لبناء دور عرض حديثة، ماذا لو تم السماح للجمعيات التعاونية ببناء صالات عرض مسرحية صغيرة بمائة كرسي لخدمة أبناء المنطقة؟

رقابة مسبقة ... رقابة لاحقة
قانون المطبوعات يعرّف المطبوع بأنه (كل كتابة او رسم او صورة او قول سواء كان مجردا او مصاحبا لموسيقا او غير ذلك من وسائل التعبير) وهو وصف دقيق للمسرحية المعروضة، وهي بذلك تخضع لقانون المطبوعات شأنها في ذلك شأن الصحف، فلم إذن يتم إخضاع المسرحية للرقابة المسبقة (نصا ثم عرضا)، بينما تتمتع الصحيفة بالرقابة اللاحقة؟ في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وبعد حل مجلس الأمة حلا غير دستوري وتعليق بعض مواد الدستور، تم اخضاع الصحف للرقابة المسبقة، ووضع رقيب على كل صحيفة يراقب ما تكتبه قبل النشر، كان وضعا صعبا للصحف، واليوم نرى المسرح يعيش وضعا مشابها لذلك الوضع، الفرق الوحيد، أن رقيب الصحف في تلك الفترة كان شخصا واحدا، يعمل في وضع غير دستوري، أما رقيب المسرح فهي لجنة رسمية مكونة من عدة أشخاص تعمل في ظل وجود الدستور ومجلس الأمة.

قلق
حققت مسرحية تاتانيا نجاحا مسرحيا فنيا وجماهيريا عريضا، وعرضت في الكويت وقطر ولبنان، ولكن ماذا بعد تاتانيا؟
كان هذا هو السؤال المقلق الذي يلح علي وعلى مخرج العمل الصديق عبدالعزيز صفر، ثم ومضت فكرة مسرحية جديدة، وهي مسرحية دراما الشحاذين، فكتبتها وعرضت ونجحت كما نجحت تاتانيا، وحققت نجاحا ساحقا عند عرضها في سوريا، ثم انتهت العروض وتوقفنا، وعاد السؤال المقلق، ماذا بعد مسرحية دراما الشحاذين؟


تعليقات

المشاركات الشائعة