الـ "كافية".. الوافية
الـ "كافية"..
من أجمل ذكرياتي أنني اطلعت على تجربتها الأدبية عن قرب، وكانت إحدى الذين علموني في الجامعة دروساً في الحياة قبل نصوص المقررات.
أستاذتي د.كافية رمضان ، الإنسانة التي حملت همّ الطفولة وأخلصت عطاءً وإبداعاً وجهداً واشتغالاً، وجلّ ما قدّم للطفل في الكويت من برامج ثقافية وإصدارات عامة أو تعليمية فيه بصمات جهدها وتأثيرها.
الأديبة التي كانت تشدّد على ضرورة أن يكتب للطفل من
"يفهم لغة الأطفال" ويعرف ما يسعدهم ويبهجهم ويؤثر فيهم ويعلمهم، وألاّ
يُطبع الكتاب قبل أن يقرأه أطفال يعرف الكاتب منهم مدى صلاحية كتابه.
هي أول من طالب بتأسيس مجلس متخصص بأدب
الطفل، وإصدار كتب في "القراءة الحرة" وعدم الاكتفاء بالدوريات
والموسوعات.
وهي أول امرأة عربية تنال الدكتوراة في
أدب الطفل لتعلم أجيالاً من طلبة الجامعات، بينما تشرف على الإصدارات المختلفة
بدءاً من كراسات الإملاء التي كانت الرائدة في تجهيزها بنفسها، مروراً بالمواد
الأدبية والثقافية في برامج الأطفال الإعلامية والدوريات، إضافة إلى المناهج
التعليمية التي شاركت في إعدادها.
وهي
الإعلامية التي طالما شاهدت لها مقابلات مع الإنسان مجردا من ألقابه وأوسمته
وصفاته وهي تشاركه الحديث مبعثرة الهامش، ومتهكمة من المستتر، الإنسانة التي حاورت
الأطفال بحرفة المقتدر.. وحدّثت الشيوخ بـ"حرقة" المغلوب على أمره..
أذكر سؤالها في أكثر اللقاءات المسجلة تأثيراً في نفسي خلال فترة الثمانينات كما
يبدو من المقطع؛ مع الأطفال خارج أسوار المدرسة آنذاك، بسبب الفقر أو
الجهل أو الحرمان: ليش مو رايح المدرسة؟ "منو اللي
يكدّ عالبيت؟" ولمستها الحانية للطفل المنكسر بسبب عجزه عن الرد بـ "ارفع
راسك" لتبدد خجله.
كانت
بأسئلتها الموجزة تنتشل الإجابة الغارقة في الأسى من أفواههم، ثم تلكز بها
المسؤولين وهي تشدد على إجابة الطفل نفسه وترددها
"مراراً".. لتنبه إلى أسى إدراكهم أن عليهم ترك الدراسة
للمشاركة في "الكدّ" على الأسرة، والنوم جماعات في الغرف الصغيرة،
والوقوف طوابير لاستخدام الحمّام الوحيد في البيت، لأن البيت ما زال يغرق تحت
المطر، كل ذلك قيل بتفاصيله.
لم
تنتقد تدني مستوى التعليم والثقافة الهشة المحيطة بالطفل فقط؛ بل طالبت
بـ"حماية الطفل" من جهل الأسرة وعنف المجتمع وضعف الإجراءات بقوانين
واضحة وصارمة تضمن حقوقه وتتكفل بالدفاع عنها، ظلت تنادي لبناء حقيقي
وحيّ للإنسان، تصرّ فيه على الحرية وتعددية المعارف وسعة الأفق، بعيدا عن الاعتبارات الفئوية
والعنصرية قائلة: "لا تغلقوا النوافذ"، لأنها تؤمن بأن
"الأطفال هم المستقبل".
أفراح الهندال
تعليقات
إرسال تعليق