عنقاء مصر.. ثوراتها!
ولدت في اليمن.. وبكت في لبنان.. وصُلِبت في العراق |
|
أفراح الهندال
كسرت الثورات العربية منذ انطلاقتها رعب الأنظمة التي تهاوت تباعاً، وها هي مصر تشد أزر سوريا وتبث الدم في غيرها، الثورة لا تنتهي ولا تموت، الثورة دائمة!
المفارقة تكمن في الصورة التي تصف الثورات بالرجعية، مساوية بذلك مطالبات الإصلاح والتغيير والرفض بالجشع الفاشي.
وما يسعف الخيبات التي تحاول إعاقة أصوات الشعوب هو التغير الاجتماعي والحراك الثقافي الموازي لها، لم يعد الفرد كسولاً لا تتجاوز رغباته لقمة العيش والأمن المستتب، الشعب يريد قول كلمته، عن الحصول على اللقمة وطريقة تقديمها وأسلوب إعدادها ومصدرها وكيفية جلبها وضمان توافرها لأبنائه وأحفاده وامتداد جنسه البشري. لقمة العيش ليست طعاما فحسب، إنها مقومات حياته وحقوقه لعيش كريم.
الكلمة أولاً
ومن هنا، يمكن تسليط الضوء على مساعي المثقفين، المتهمة غالبا بالتخاذل لنخبوية خطابها، أو ترديد عبارات من مثل: «المثقفون جزء من خداع الشعب»، «الحلول ليست في أيدي النخبة»، وكأن طغيان الاستبداد وممارسات الظلم ورضوخ الضعفاء لم تتم بالمحاججة بالكلمة والمعارضة بالمنطق والبرهان واختيار المفردات الدقيقة والنصوص القانونية الداعمة لقضاياها!
فالمكان الطبيعي للمثقف مواكب للحراك الإنساني، متفاعل معه وبه ومن أجله، وليده أو شقيقه أو أبوه الروحي، ولا يمكن له أن ينفصل ككائن غريب لا يدرك ما يحصل من حوله في العالم.
وكما الفن، يمكن القول بأن الثورات «ولدت في اليمن، وبكت في لبنان، وصلبت في العراق، وبعثت كالعنقاء بلا موت في مصر»، الحشود التي أطاحت النظام السابق، خرجت منذ اليوم الأول الذي يكفل حقها للمطالبة بإقامة انتخابات رئاسية مبكرة مفتوحة للجميع.
فن المثقفين في.. الثورة
وللوقوف على دور المثقفين في الثورة المصرية، سنتجاوز التاريخ الأساس للإصلاحيين ودعاة الحريات والمدنية المعروفين على مر تاريخ مصر لإبراز مواقف الكتاب والمثقفين والفنانين في ما يخص الثورة القائمة:
مفردات خطاب المثقفين لم تكتف بالتنظير وإصدارات الكتب المحدقة بالمشهد الخارجي، بل استخدمت الحذق في توظيف المفردات والفنون ضمن خطابها، فبرزت اللافتات وفن الغرافيتي متفاعلة بشكل بديع، منها استخدام الرسوم التعبيرية وصور الرئيس والالتقاطات المعبرة مقرونة بعلامة (X) المميزة لحملة «تمرد»، وشعارات «مع الإسلام ضد الإخوان» و»كفاية» وصولاً إلى التساؤلات المريرة والأبيات الشعرية، وهو ما فعله الطرف المقابل أيضا للإخوان كالاستشهادات من كتب تراث كالجبرتي: «الجنس العربي مختلف لا يقوم إلا بالدين»، و"وما نيل المطالب بالتمرد ولكن يؤخذ الكرسي انتخاباً»، في تعديل لبيت أحمد شوقي الشهير، ما يعزز دور الكلمة في اشتغالها لمحاججة الآخر والرد عليه بعملية مستمرة.
أوهن من شجرة الدر!
في إشارة رمزية إلى النهاية المعروفة لأشهر ملكات التاريخ المصري شجرة الدر، قرر مثقفون تجاوزوا المئتين الاعتصام في مقر وزير الثقافة بشارع شجرة الدر والخروج في مسيرة كبيرة تحمل «القبابيب» كما ترتديها، لتلوح بقصة موت شجرة الدر ضرباً بالأحذية، وقال محمد هاشم، صاحب دار «ميريت» للنشر، إن المثقفين قسموا أنفسهم إلى 3 مجموعات، الأولى اتجهت إلى دار الأوبرا للانضمام إلى فناني الأوبرا، ثم اتجهت إلى ميدان التحرير، والثانية إلى «الاتحادية»، أما الثالثة فظلت موجودة داخل وزارة الثقافة لحمايتها من الاقتحام. أعلنت نقابتا المهن التمثيلية والفنانين التشكيليين مشاركتهما في المسيرات أمام بوابة الأوبرا للانضمام إلى مسيرة المثقفين والمبدعين المتجهة إلى التحرير، وأعلنتا في بيان لهما عن رفض النظام الحاكم، ودعوة جميع أفراد الشعب إلى الالتزام بالسلمية ورفض العنف. التأكيد على حضارية فعل المظاهرات من خلال عروض فنية وموسيقية لمجموعة من فناني الأوبرا منهم د.إيناس عبدالدايم والفنانة منال محيي الدين وهاني مهنا وغيرهم من الفنانين.
زوربا راقص.. ثائر
زوربا كان حاضرا أيضا للدفاع عن الفنون، إذ قدمت فرقة باليه أوبرا القاهرة عرض «زوربا» في الشارع بالقرب من مكتب وزير الثقافة، احتجاجا على سياساته في قطاع الثقافة وعلى الشتائم التي أطلقها بعض رموز تيار الإسلام السياسي بحق فن الباليه. نزول المشاهير من المثقفين والفنانين والأدباء إلى الشارع وتداخلهم مع هموم الناس والتعبير عنها والمرابضة، من مثل الكتاب بهاء طاهر وجمال الغيطاني والشاعر عبدالرحمن الأبنودي ورئيس اتحاد كتاب مصر محمد السلماوي وأغلب الشعراء والكتاب والسينمائيين والمثقفين ممن يدركون جمالية الفنون الإنسانية بعيدا عن تقنينها.
برائحة القهوة!
حتى المقاهي لم تفقد حضورها الثقافي، إذ كتبت فيها البيانات وتوقيعات المثقفين من مثل اجتماعات مقهى «ريش» بالقرب من ميدان التحرير بعد بيان القوات المسلحة، مؤكدين على أن أول مطالب الملايين التي خرجت إلى الشارع هي «إسقاط نظام جماعة الإخوان المسلمين برمته، ووضع بداية جديدة وصحيحة لتقدم البلاد».
ووقع على البيان عدد كبير من المثقفين ممن ذكرت أسماؤهم إضافة إلى إبراهيم عبدالمجيد، يوسف القعيد، إقبال بركة، عبدالوهاب الأسواني، صلاح فضل، هالة البدري، فتحية العسال، وناصر عبدالمنعم، وأحمد مجاهد، وعبدالقادر حميدة، جمال أسعد عبد الملاك وشاكر عبدالحميد وغيرهم.
حرية وعدالة
الواضح في مواقف نجوم السينما المصرية باختلاف أجيالهم «وحدة في الموقف المعارض» وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها الفنانون المصريون على موقف سياسي موحد، بعد أن تفرقت مواقفهم في ثورة 25 يناير، كتب المخرج محمد خان على صفحته في فيسبوك إثرها: «ظهرت سينما الثمانينيات أمام عيني وتدفقت الأفلام والمشاهد في ذاكرتي وها هي ثورة تجمعهم إيد واحدة وفيلم واحد و»أفيش» واحد: (حرية وعدالة اجتماعية)».
ولا تحصر المواقف السابقة فعاليات المثقفين في ثورتهم، بل هي موجز لملامح الاعتراض بوجه حضاري، لمن حققه في الشارع متظاهراً ومراسلاً وشاعرا ورساماً ومصوراً يدون رأيه في تلك التمظهرات باسم «تمرد»، والتي تركت مثقفي الخوف واللامبالاة وسلالة الهتاف بـ «اللهم لا اعتراض» ممتثلين للثقافة الوعظية المطيعة!
|
عنقاء جناحيها "قوسي قزح"
ردحذفبألوانها زحزحت غيمة سوداء لم تمطر سوى التعصب والعنصرية.
محمد المعن ..
عندما يسود الشعور بأنك تريد أن تستولي على عقلي ... اتساوى أنا والمثقف ونقف في نفس الخندق ضدك
ردحذف....... أجود
شكرا أفراح...
ردحذفرغم طول الموضوع،لكنه كان رشيقا في إنتقالاته...
شاكرة جدا لك