الشاعر أحمد الدوسري: الشيوخ يعرفون الموت من رائحته!
ثمة من دوّن «كوابيسه» وغفا على الفظائع من جديد..
الدوسري: الشيوخ يعرفون الموت من رائحته! أفراح الهندال تتعدد الأشكال الأدبية التي يجد فيها المبدع البحريني د.أحمد الدوسري عوالم الكتابة التي يجترحها بكل ما أوتي من فطنة وجنون وخيال وعقلانية في الوقت نفسه! ورغم اعتزاله بعيدا عن بهرجة الإعلام يصدر كتبه التي تجاوزت الثلاثين مؤلفا من الصومعة التي تعتمل فيها فكره وهواجسه وحتى.. كوابيسه! ومن أجل زاوية «قند» الحديث وسمره؛ توقفنا عند تلك الكوابيس تحديدا، والتي دونها بسردية تجاوزت زوايا مفسري الأحلام «المتفذلكين» لتستفز القارئ بتأويلات عديدة، إذ حضر الشاعر، الروائي، القاص، الكاتب المسرحي، المترجم، والناقد كما بدا في مؤلفاته السابقة، في كتابه الذي خصصنا زاويتنا اليوم له «كوابيس الليلة الفائتة»، لنقتص منه «رؤاه» ونقصصها. عن كتابه قال: «الكابوس شكل تعبيري أليم ينتابني عندما أكون في مزاج غير جيد وقد لا أكذب هذه المرة عندما أعترف بأنني ولدت بمزاج سيئ». وفي الفصل الأخير مرر القلق المزاجي بعبارته: «هذا الكتاب الوحيد الذي ليست له نهاية وسيظل مفتوحا وقابلا للتراكم، وللطمي، مادمت حيا!».
كابوس 1: من أيام جدي!
وحش يطاردني وأنا لا أستطيع أن أركض البتة!لماذا؟ كانت حركتي أبطأ بكثير من حركة السلحفاة! كنت عاجزا عن أي شيء، حتى عن الهرب! مثل حيوان الكسلان الذي يتحرك بسرعة 64 مترا في الساعة، كنت في هذا الكابوس! نهضت وركضت باتجاه النائم في الحوش واندسست في حضنه. جدي النائم المستيقظ! في الصباح قلت لجدي عما كان يروعني، فأمسك بعصاه التي بلون القهوة المحمصة ولوح بها في الهواء: • سأهوي بها على رأس كل من يقترب منك! • في الحلم! • سأكسر رأس الحلم! لم أكن أعرف وقتها أن للحلم رأسا! لم أكن أعرف يوما كلمة كابوس لكي أفرق بها بين الحلم والكابوس. ما كنت أعرفه في تلك السن، وفي ذلك الصباح من العام 1969 ليس سوى كلمة حلم التي شرحتها لي «أبلة سميرة» في الروضة:• هذه الخيالات التي تراها في النوم هي حلم.. أحلام! وكل واحد منا حبيبي يحلم. يحلم في النوم ويحلم عندما يكون صاحيا! تعلمت الحلم على يد أبلة سميرة.. لكن الحلم كما شرحته لي أبلة سميرة في روضة الفتح في عام 1967 لم أعرفه أبدا!
كابوس 2: من 1973
الشيوخ يعرفون الموت من رائحته!حلمت في عصر أحد الأيام في قيلولة ممضة بأن جدي سيرحل إلى بلاد بعيدة جدا وأنني لن أراه ثانية، لأن المكان الذي سيرحل إليه بعيد جدا وربما لا يدخله الأطفال. كانت تجري في هذا الكابوس مراسم وداع لجدي لم أتبين ماهيتها إلا بعد مدة من الزمن عندما رحل عن دنيانا حقا! رفعني إلى مستواه ثم قبلني. أنزلني ومسح على رأسي. كان ذلك صباحا مشرقا وحزينا، حزينا جدا، بل يقطر حزنا! حتى أنني عندما قفزت مرعوبا من كابوس القيلولة هذا أحسست بالحزن يقطر حقا من قلبي! حتى أنني جسست مكان القلب في صدري...! هرولت إلى الخارج باحثا عن جدي. لم يكن موجودا. وخفت أن يكون قد رحل حقا دون وداعي. قالت لي عمتي: • سيأتي بعد صلاة المغرب! لم أحتمل، وبقيت قلقا حتى المساء عندما وصل. نزع عباءته وجلس، فجلست قربه، قبلت رأسه. وقبلني هو. • ما بك؟ سألني عندما رآني مرتبكا • اشتقت لك جدي! • فقط! • حلمت! • قلت لك قلي لي بمن؟ من أزعجك وأنا أكسر رأسه لك؟! • لا تستطيع يا جدي هذه المرة! • لماذا؟ • لأنني حلمت بك أنت شخصيا! • أنا...؟! • نعم يا جدي! • وهل أستطيع أن أؤذيك يا ولدي أنت بالذات! • إنك طبعا لم تؤذني... لكنك في الحلم رحلت عني إلى مكان بعيد جدا جدا جدا لا أعرفه!! أطرق جدي إطراقة غريبة، ولم تكن لديه ردة فعل بالمرة. وكأنه قد تحول فجأة إلى تمثال. لم أفهم بالطبع إلا بعد مرور سنوات فجدي قد عرف الرسالة. ومات بعد حلمي هذا بشهرين. ولم أفهم أنا...! الشيوخ المتسربلون بالحكمة يعرفون الموت..... من رائحته! الرحيل كان هو الموت.. في اللامكان.. وفي اللازمان! | |
الحوار منشورا
تعليقات
إرسال تعليق