التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«منسيون».. يوميات غائب عن معسكرات حزب الله

تجربة زكي الصدير.. محاكاة ذاكرة الجدران وسطوتها

«منسيون».. يوميات غائب عن معسكرات حزب الله 

أفراح الهندال - زاوية "سمر قند"




«سأقف وقفة وفاء خاصة لوطن منسي ولشعب منسي ولأحلام منسية ولرفقة نضال منسيين أيضا»..أوتاد كلمات الشاعر السعودي زكي الصدير مسمرة للتذكير بخارطة النسيان القابعة في وطن، أفراده رفقة لم يتقنوا الحلم في تلك المنطقة المظلمة..


من عمل جديد يشتغل في كتابته؛ خص الصدير «الكويتية» بمقاطع لا يمكننا أن نطلق عليها أدبا صنعه الخيال، ولا يمكن لنا أن نحتفي بحلاوة «قنده» ونداوله في زاويتنا سمرا.. ولكنه الجرعة التي تهبنا عمرا إضافيا، بمادة بين الشعر والسرد وارتكازها الذاكرة، أو هي الصرخة التي يجب أن ننصت إليها جيدا بأرواحنا «المنسية» غالبا على الرفوف العليا..!

«افصخ ساعتك، وسلّم كل اللي بجيوبك، محفظة، مفاتيح، نظارة، حط كل شي على الطاولة».

إنه لايرتدي ساعة، غير أن العسكري يكرر جملته ذاتها مع كل معتقل! في طفولته لم يكن يمتلك ساعة يدوية، إذ وحدهم الكبار والأثرياء والعمّال من يستخدمونها ليتعرفوا على الزمن، ولتزاحمهم تفاصيل يومياتهم بالمواعيد. لقد تعلّم مبكرا من جدّه كيف يتعرف على الوقت من نظرة واحدة في الشمس أو من الظّل الممتد لجسده على الرمل البحري، علّمه كيف يصادق الشمس ويصاحب السماء. كانت أول ساعة يرتديها في السنة الأولى من الثانوية العامة، جاءته هدية من جدّه! طوّقت معصمه الأيسر ولم يخلعها إلا حين التفتَ إلى أنها لم تعد تعمل بسبب الماء الذي دخلها وهو يستحم! من وقتها لم يصادق الساعات اليدوية. الآن، وهو في زنزانته أصبح يمارس ما أتقنه صغيرا، ويجتهد كثيرا في الاحتفاظ بذاكرة الشمس وتفاصيل السماء وتاريخ الظلال، لكنه بلا شمس أو سماء أو ظل! فماذا يصنع بالوقت عندما تتشابه الأضواء في مكان معتم؟!


منسيّون

رغم أنه ليس له نصيب من فصول السنة إلا السّحالي والصراصير صيفا والفئران والبرد القارس شتاء، لكن المطر تأخر كثيرا هذا العام! مضت عشرة أشهر على آخر مرة سمع فيها تساقط المطر عبر النافذة الرفيعة في زاوية زنزانته! يومها، وقف متحديا الكاميرا بعينين متلألئتين، لينظر بضعة سنتميترات من الغيم، وليتحسس بروح مكشوفة زئير الرعد وبريقه، وليحاول جاهدا التفريق بين صوته وصوت الكرباج المرتطم بإيقاع موحّد على جسد رفيقه الذي سحب قبل قليل من الزنزانة لينال حصته اليومية من الضرب! الآن، ينتظر المطر وعينه على ظهر رفيقه الغائب!


منسيون

فاتن هو الفرح الذي يأتي من دون انتظار، يهبط علينا من السماء، ويقتحمنا بمفاجآته من غير مقدمات أوطوابير من الترقب واحتساب الاحتمالات.
في العاشر من شهر رجب عام 1418هـ، وقد مضى على اعتقاله قرابة سنة ونصف، حيث بدأت أيامه ولياليه تأخذ شكلا ثابتا بإيقاع روتيني لا يتغير، يتفاجأ بدخول أحد ضباط التحقيق لزنزانته برفقة عسكري! قبض على ذقنه ونظر فيه يمينا وشمالا وتفحصه بعناية وكأنه سيشتريه من سوق العبيد، ثم قال: «معقول شكله مو بطّال!! خذه ياعسكري وطلعه». لم يكن يفهم ما يحصل! طلب منه العسكري أن يرتدي ثوبه ويرتّب هندامه! ربط الـشماغ الأحمر معصوبا على عينيه، وسحبه مهروالا به في الممرات وهو يصطدم بين حين وآخر بجدار، أو باب، أو معتقل معصوب آخر، لكمة من هذا، ولطمة من ذاك، وضحكة هنا، وضحكة هناك! والعسكري مازال قابضا على معصمه يسحبه كالأعمى، ويهرول به مسرعا، ولا شيء سوى الظلام الذي ألفه واعتاد عليه رغم كل روائح السخرية والشماتة التي يستشعرها كلّما أخذوه من زنزانته وتعاملوا معه كأضحوكة يتسلّون بها وقت تململهم اليومي!
ومثل الكفيف الذي يهتدي للأمكنة من دون أن يكون قد رآها قبلا شعر أنه في طريقه لمكان مختلف، فروائح السجاد والعطر والمكاتب الفخمة تضجّ في أنفه!
توقف العسكري عند إحدى الغرف، وفكّ عصابته، وفتح له الباب، هكذا بدون حوامل للفرح وأحزمة للانتظار ومصدّات للبكاء.. أبوه وأمه وسلمى!



النص منشورا
حوار مع الشاعر زكي الصدير أجراه الشاعر والروائي محمد الفوز

الكويتية 



تاريخ الخبر : 13/04/2012

تعليقات

المشاركات الشائعة