الثقافة مازالت تفاوض الأنظمة وتستجدي الشعوب.. رغم الثورات!
هل نحتاج ثورة ثقافية؟
أفراح الهندال
ثار الشباب العربي وقادوا أقرانهم بمختلف مشاربهم، مطالبين بالتغيير، وانتصروا لثوراتهم بإزاحة الطغم الدكتاتورية الحاكمة، ولم يعد المشهد السياسي على حاله؛ بينما ظلت الثقافة على حالها.
الآن وفي خضم فترة الانتخابات الكويتية، كيف يرى المثقفون المشهد المحلي من حولهم؛ وما أسباب ابتعاد المرشحين والناخبين عن ترصد المهتمين بشؤون الثقافة؟
«الكويتية» حاورت الأديب طالب الرفاعي ود.علي حيدر والفنان التشكيلي عبدالوهاب العوضي، للتعرف إلى أسباب الركود الثقافي من مختلف جوانبه.. وكيف يمكن أن يكون شكل الثورة الثقافية التي تحرك هذا الركود؟
الروائي طالب الرفاعي وضع الحقيقة نصب الأعين بكل صراحة قائلا: «كما هو معروف، لا تشكل الثقافة في الكويت هماً حاضراً للمرشح ولا للناخب، إلا في الاستثناء. وليس صعباً على المتابع للشأن السياسي والانتخابي أن يرى بوضوح خلو البرنامج الانتخابي لمعظم المرشحين من أي تصور للنهوض والارتقاء بالوضع الثقافي أو الفني أو الأدبي.
وإذا ما أخذ في الحسبان أن الانتخابات هذا العام تأتي متزامنة مع الذكرى المئوية لتأسيس المدرسة المباركية، كأول مدرسة نظامية في الكويت بالعام 1912، فلقد كان من المفترض أن تلقي هذه الذكرى بظلالها على اهتمامات المرشحين والناخبين، وذلك باستحضار أهمية التعليم، وضرورة النظر إلى تطوير المناهج التعليمية وربط مخرجات التعليم، الثانوي والتطبيقي والجامعي بالثقافة، لأن التعليم هو الرافد الأساسي للثقافة.
لقد أثبت الشباب العربي العصري والمتنور أنه المحرك الأساس للثورات العربية، واستطاع بتواصله عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت أن ينظم صفوفه، وأن ينتصر ويزيح ويغيّر أكثر من نظام عربي تسلطي، ما كان لأحد أن يتصور إمكانية الوقوف بوجهه. ولقد دفع الشباب العربي ثمناً باهظا مقابل ذلك، ولا أظن أن الشباب الكويتي بمعزل عن حركة الشباب العربي، بل إن الساحة السياسية الكويتية شهدت في الآونة الأخيرة حضوراً شبابياً فاعلاً ومؤثراً، وكان له أكبر الأثر في القرار السياسي. ومن هنا فإنه يجب الالتفات إلى إمكانية النهوض بالحالة الثقافية في الكويت، وإعادة الكويت إلى سابق عهدها، منارة للعلم والمعرفة والفن والأدب، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بجعل الثقافة أولوية من أولويات المرشح والناخب».
محرك غياب الثقافة
واستكمل الرفاعي موضحا دور الشباب:»إن غياب الثقافة عن البرامج الانتخابية للمرشحين، يجب أن يكون محركاً للشباب الكويتي لمزيد من التحرك والضغط، ومزيد من المطالبة بالاهتمام بالثقافة، بغية خلق وعي ثقافي مستنير، يعيد الكويت إلى سالف عهدها، ويبث في المجتمع الكويت والساحة الثقافي حراكاً فكرياً وثقافياً وأدبياً ينعكس على مختلف أنواع الفنون، كالقصة والشعر والرواية والمسرح والسينما والتشكيل، ويجعل من الشأن الثقافي زاداً يومياً على مائدة المواطن الكويتي، كما هو الشأن السياسي».
دور المثقف والسلطة
أستاذ النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية د.علي حيدر ركز على تناول إشكالية الركود من خلال الحراك فترة الانتخابات؛ وأكمل: «إذا ما تمعنا جيدًا في الواقع المعاش في مجتمعنا الكويتي لاستطعنا أن ندرك مدى الاضمحلال البين لدى المثقف الكويتي في عملية الانتخابات البرلمانية -سواء لدى المرشح أو الناخب- في السنوات القليلة المنصرمة، ومدى محدودية الدور الذي من الممكن أن يؤديه المثقف في توعية الجمهور الذي يُسيّر بشكل ديناميكي خلف طائفة أو قبيلة أو ما شابه ذلك من تخلف تُخرج روح الديمقراطية من جسد الدستور. ولكن لا بد لنا أن نتساءل هنا إلى أي مدى يمكن أن يكون للمثقف دور في المجتمع؟
إذا ما أردنا أن نحصر الإجابة بشكل دقيق ومختصر، فلا بد لنا أن نقف عند المرحلة الحرجة للتحول الاجتماعي والسياسي التي يمر بها المجتمع، فيكون للمثقف دور بارز في هذا الجانب لتتجلى لنا سلطته، ويصبح ركيزة أساسية فعّالة بتشكل الوعي وضبطه في أطر ومسارات قويمة تُصلح الاعوجاج الفكري الذي انغرس في المجتمع، والذي أصبح يُشكّل خطراً علينا وعلى بلدنا.
ثالوث مفكك
وبين «التصارع» والتلاقي، وصف د.حيدر العلاقة : «إن العلاقة المفككة التي تربط البعد الثقافي بالبعد السياسي، والتي لا بد أن تنعكس بشكل أو بآخر على الحياة الاجتماعية تكون لها آثارها السلبية على المجتمع، ويشير الأستاذ كريم أبو حلاوة في هذا الخصوص في إحدى مقالاته «من يقول إن علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة صراع هو قول خاطئ، ويتوقف على طبيعة الثقافة وطبيعة السلطة، فالمعرفة بُعد من أبعاد السلطة ولا سلطة بغير ثقافة، ولا ثقافة إلا وتنتسب إلى سلطة ما، سائدة أو تسعى إلى أن تسود، فهناك ثالوث عضوي متماسك من: النظام والمعرفة والسلطة».
وإذا كان هناك ثالوث متماسك، كما أشار إليه أبو حلاوة، فأعتقد أن هذا الثالوث مفكك في مجتمعنا الكويتي، ويرجع أحد أسبابه إلى تدني مستوى الفكر الثقافي السياسي في خطابات بعض نوابنا ومرشحينا، وهذا ما يعكس الجانب السلبي، وبالتالي ضبابية الدور الثقافي السائد».
ندوات محركة
وحول الفعاليات التي تناولت الإشكالية بين قائلا: «في الأيام القليلة السابقة أقامت رابطة أعضاء هيئة تدريس المعهد العالي للفنون المسرحية ندوة حملت عنوان «تراجع دور السلطتين في دعم الحراك الثقافي» والتي اعتبرت الأولى من نوعها على المستوى الانتخابي، تحدث فيها كل من د.سهام الفريح ود.حسن جوهر والأستاذ صالح الملا، وأكدوا جميعا أن الهم الثقافي لم يصبح من أولويات السلطتين، وهناك قصور كبير في إبراز ما كانت تحتله الكويت في الماضي من دور ثقافي رائد في المنطقة العربية، ويرجّح سبب ذلك كله بالأزمات السياسية المتلاحقة التي نشهدها في مجتمعنا الكويتي.
وحتى نصلح هذا الاعوجاج، فلا بد أن يكون للسلطتين دور في دعم وتطوير الحركة الثقافية على جميع المستويات، خصوصا أن تكون مبنيّة على تقبّل جميع أطياف المجتمع الواحد».
برمجة الفنون والأدب
الفنان التشكيلي عبدالوهاب العوضي وزن بين وضع الثقافة خارجا وفي الداخل؛ موضحا: «في الغالب المرشح في كل بقاع العالم، وخاصة الدول المتقدمة، يتطرق في برنامجه الانتخابي إلى الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لأن أمور الثقافة والفنون والأدب في مجتمعه تسير بطريقة آلية ومبرمجة ومتقنة، وله دور فعال يغنيه الحديث عنه في برنامجه الانتخابي، أما نحن في العالم العربي وفي الكويت، الثقافة والفنون الآداب ليس للحكومة والمجلس أي علاقة «تفعيلية» بهذا الشأن؛ الوضع الثقافي من سيئ إلى الأسوأ؛ والدليل أن أغلب المثقفين إن لم يكن الجميع متذمرا من هذا الوضع رغم الإمكانات المادية المتوافرة للدولة.
دخلاء على الثقافة
وشخص العوضي الحالة بوصف العاملين في المؤسسات الثقافية بالموظفين، وقال: «الدخلاء على الثقافة في البلد وفي المؤسسات الحكومية ليست لهم علاقة بالثقافة وكيفية الارتقاء بها، وهم ليسوا إلا موظفين مكبلين بالروتين والبيروقراطية الحكومية، وهذا باعتراف الموظفين أنفسهم، جيوش من الإداريين والموظفين قابعين على مكاتبهم ليست لديهم أي صلاحيات بالعمل والإبداع، نوابنا الأفاضل في سبات عميق والمفترض هم بيدهم التشريع والدفع بالثقافة بالبلد عن طريق القوانين لحماية المثقف والأخذ بيده نحو الإبداع الفني والفكري، ولكن نراهم أبعد الناس عن هذا الهم، بل هم أنفسهم يحاربون الثقافة والفنون والآداب، بسن القوانين واللوائح لقمع الرأي والإبداع الفكري ..هل شاهد أحدكم نائبا يزور معرضا تشكيليا أو ندوة ثقافية أو فعالية ثقافية من دون دعوة أو حتى بدعوة؟ لا يوجد أي نائب في هذه الحملات يحمل طرحا ثقافيا وأفكارا لدفع عجلة الثقافة في البلد، والتي تعتبر من أساسيات وركائز الدولة الحديثة.
ودعا العوضي إلى أن يكون المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب جهة مستقله تعمل وحدها، وتديرها كفاءات متخصصة حريصة ومؤمنة بدور الثقافة، مبينا: «حتى لو استعنا بالخبرات الخارجية العربية والأجنبية فلا عيب في ذلك مطلقا».
تعليقات
إرسال تعليق