ضد «الشعر الجاهلي» جملة وتفصيلا ً!



«أفاجئك أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححتُ في الشك حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء، إلاّ يكون يقينا فهو قريب من اليقين. ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلفة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. إن ما تقرأه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء، وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسدين والمحدثين والمتكلمين».

من هنا باغت عميد الأدب العربي المفكر طه حسين أرفف المكتبات المغبرة وثارت عليه ثائرة الكثير من علماء وشيوخ زمانه مُتهمينه بـ «عقوق» التراث وهتك قدسية الإسلام والتطاول عليه! ووصل الأمر إلى إيصاله إلى محاكمة قضائية!

وبعيدا عن الأسباب الموضوعية التي حددها لإثبات رؤيته في أن أغلب ما يتداول بين قراءاتنا في الشعر المنسوب إلى «العصر الجاهلي» منحول ومكتوب بعد دخول الإسلام، عاودت خلال الأيام الماضية القراءة في هذا البحث، لأستكشف رؤى النقاد في شعراء تلك الحقبة، والتي وسمتهم بالتجرد من المشاعر والهموم الإنسانية والاكتفاء بإطلاق الشعر مدحا أو افتخارا أو هجاء للقبائل الأخرى، ليكون بوق القبيلة وسبيل الدعاية لها أو حتى وسيلة مكاتبة الحكام وإيصال مطالب القوم وحاجاتهم لا غير، وجدت أن ذلك هو ما كان يحرص عليه «العرب» تحديدا لتعزيز مكانتهم، وضمان فرض الهيبة لدينهم الجديد «الإسلام» في ذلك الوقت، في مقابل أن الشعر المنعوت بـ «الجاهلي» ملاصق لتفاصيل اليومي المعيش، قريب من الإنسانية ومنطلق نحو تأملاته في الحياة، وفي بعض الشعر القديم حضور ذلك بشكل جلي.

ألا يدفعنا ذلك لمراجعة نعت «الجاهلية» ورفضه ولو ذكره القرآن سمة العصور التي تسبق الإسلام؟ فالشعر حالة إبداعية خلاقة ليس لشؤون الدين ضرورة في تقييمها، حيث تحتفظ بخصوصية جمالية، ولو كانت انعكاسا لواقع «الفن للحياة»، أو انطلاقا من كتابة ذاتية نتاج النفس البشرية «الفن للفن».

أليس من المخجل أن ننعت تلك المباني الجمالية بالجهل، بينما يمكننا تأريخها وقرنها بمسمى «شعر ما قبل الإسلام» دون وصوف مُحطّة من قدره، خاصة أن دارسي علوم اللغة وعلوم الدين جميعا لا بد أن يخصصوا جزءا ليس بالهين من دراستهم فيها.
فإلى جانب البساطة والصدق وقوة السبك والقول الجامع الذي يعد البيت الواحد وحدة قائمة بفكرتها وضرورتها، يكمن تجلي المخيلة التي كانت تخلص في خلق تلك الصور وتدوينها، ومازال شعراء العصور كافة وحتى العصر الحديث يحاورونها ويجاروها ولو بالاقتباس والإشارة.

أرفض مسمى «الشعر الجاهلي»، وأدعو إلى إعادة الاعتبار له بدءا بتغيير هذا التصنيف المجحف بحقه!




أفراح الهندال

http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=2656

تعليقات

المشاركات الشائعة