ربيع عربي.. لا يستنشق الزهور!



كان لا بد أن تصطدم الثورات الأخيرة في العالم العربي بالتيار الليبرالي؛ وتحدث حالة صراع بين من يؤكدون أن الحراك بدأ من الشارع ومن يراها نتائج للأطروحات الفكرية الممهدة لتلك الثورات والداعية إلى رفض القهر والظلم والمطالبة بالحقوق، لا من باب محاولة الاستيلاء على اشتعال الحراك ونتائجه التي غيرت وجه العالم العربي، بل محاولة لتفسير حالة التغيير الكامل التي كشطت غبارية الوهم السلطوي الراكدة على واقع الحكومات في البلدان العربية، والتي لفظت آخر أنفاسها مناداة لمواكبة العالم في تمدنه قبل أن تستعيد حياتها بروح جديدة مع الثورات!
لا يمكن إنكار دور الثقافة في نشر حالة الوعي بالحقوق وضرورة المطالبة بها، في ظل إدراك تام لمنظومة القوانين والاتفاقيات التي تكفل للإنسان ذلك؛ فالأطروحات الفكرية والشعر والأدب والفنون كافة وحتى الظلال الجمالية التي يتنبه إليها المثقفون في تفاصيل الحياة اليومية هي التي احتفت بالإنسان كمحور وموضوع وهدف، وكعالم تتشكل صفات الحياة بعلاقاته وارتباطه بالكائنات من حوله، والليبرالية أخذت على عاتقها بالدرجة الأولى هذا الحراك ونظمت وفقه أفكارها دون أن تتصادم مع قيم المجتمع أو ثقافته العامة التي يؤمن بها، فهي تهدف إلى تحرير الإنسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية، دون أن يكون ذلك مدعاة للابتذال أو الإضرار بالمحيط، فالدائرة الفردية هي خصوصيته وكيانه الحر.
ولكن محاصرة المثقف بالاتهامات والتشكيك، وعزله عن المجتمع من قبل بعض التنظيمات التي لا تجد في دعوات الحرية الفكرية سوى الابتذال والفسق والفجور والزندقة ...إلخ هي ما جعل المثقفين في معزل عن المجتمع، وبالتالي أدى ذلك إلى إنكار جهودهم ونسبها للجموع مجردة من تأثيرهم ولو بنسبة طفيفة!
وما عزز هذه الحالة؛ هو انغلاق المثقفين وتراجعهم أمام هذا الهجوم الحاد، ما دعم الجليد الذي حط على العلاقة بينهم والشارع الذي يضم فئات المجتمع بتنوعها، ولذلك وجدوا أنفسهم خلف الجموع التي طالبت وحركت وغيرت!
ولكن استمرارية هذه الحالة ستسهم في ذبول هذا الاشتعال الفكري وانتهاء أثره سريعا ما لم يمد بالمحاكاة فكريا.. تحليلا وحوارا وتدعيما بالأفكار الجديدة..!
سيظل العالم العربي محتفيا بزهور ما أسماه «الربيع العربي» دون أن يستنشق عطره، ودون أن يكلل الحياة الاجتماعية والسياسية والعملية بشكل عام بنقلة حضارية مادام بعيدا عن مثقفيه.




أفراح الهندال
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=6264
تاريخ الخبر : 25/12/2011

تعليقات

المشاركات الشائعة