التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأدب في بلد السبعين مليون طفل!


تاريخ الخبر : 10/03/2012 08:18اّخر تحديث : 10/03/2012 08:18
كل بناء يضم مكتبة للأطفال.. والخيال أشهر موضوعاتها

الأدب في بلد السبعين مليون طفل!

أفراح الهندال


سور الصين لم يمنع التنين من التحليق عاليا..هذه الحضارة الأقدم على مر التاريخ تقوم على سياسة الصبر والتريث، فلئن ظلت زمنا قرينة الانهيار الاقتصادي والبطالة، فإن ثمة مارد سيثور قريبا، فتح عيناه على النمو الاقتصادي بذكاء، وسيقوم بالإرث الثقافي العظيم الذي يملكه، وسيذكر الناس تحذير نابليون: «الصين مارد جبار إذا استيقظ هز العالم».

وكما أكدت الدراسات الحديثة أن سور الصين أطول بكثير مما كان يعتقد، سيذهل العالم بتأثير المارد والتنين الصينيين -الاقتصاد والثقافة على مر السنين المقبلة-، ويهمنا هنا أن نركز على الجانب الثقافي الخاص بتربية الطفل والأدب الخاص به، حيث أثرت أربعة خيوط ثقافية نقتطعها من دراسة اقتصادية لأستاذ الأعمال الدولية جون جراهان نشرت في مجلة الثقافة العالمية في العدد 128، ونراها أحاطت بآثارها النمو الثقافي بشكل أساس وبخاصة في الأدب، إلا وهي:الطابع الزراعي الذي يقوم على الزراعة الجماعية لا الفردية، وتعتمد فيه الزراعة على تعاون المجموعة ودرجة تجانسها وانسجامها وروابط الولاء فيما بينها بعلاقة لصيقة بـ «الأرض».
والخيط الثاني هو(الأخلاق)،حيث لعبت حكمة كونفوشيوس دور الأساس للثقافة الصينية وكذلك حكمة الطاوية للاوتسو، وحيث ألقت ظلال الاهتمام بالوسيلة أكثر من الغايات وبالإجراءات أكثر من الهدف.
والخيط الثالث هو اللغة التصويرية التي يتعلمها الأطفال الصينيون، فكما يتعلم الغرب قراءة الحروف والأعداد الرومانية، يتعلم الأطفال الصينيون تذكر آلاف الأشكال المصورة، فالكلمات في اللغة الصينية صور وليست تسلسلا من الحروف، ولذلك فإن التفكير الصيني يميل إلى المعالجة الشاملة ويتفوقون في النظرة الشمولية.
أما الخيط الرابع فهو حذر الصينيين من الأجانب، وهوما تعلموه من تجاربهم القاسية على مر التاريخ، ومع ذلك فإن هذه الرؤية ليست نمطية بالشكل المحاذر المتعارف عليه، وإنما منبثقة من الحكمة الصينية التي تؤمن بالتكامل وبأن الطرق المتوازية بينها مناطق وسطى تلتقي لا تتصادم.
إبداع إنساني
وككل الآداب العالمية، اعتمد الأدب الصيني في مراحله الأولى على صورته الشفاهية،اعتمد على الأساطير والخرافات بشكل كبير، ولم يستقل أدب الأطفال ويتخذ شكله المكتوب حتى العام 1920، وكان يعكس شكل المذاهب السائدة، فلم يخرج بداية عن التعاليم الكونفوشية ولكن بعد مجموعة ثورات وفي ضوء الديمقراطية أخيرا اتخذ شكلا مغايرا، حيث عكس الأفكار سياق فترتها التاريخية.
الأدب الصيني
وإلى جانب اللغة الشفاهية، كانت اللغة الصينية المكتوبة، وكلاهما تضمنا الأدب الصيني الخاص، فالمكتوبة لم تكن لتفهم عند سماعها لفرط تكثيفها، وكانت حكرا على الأدباء والنبلاء، أما الشفاهية فكان يمكن كتابتها ولكنها ظلت شعبية لا تستعمل إلا في كتابات التسلية والأغاني والمسرحيات، ولم يترك هذان إلا بعض المخطوطات التي اكتشفت في الكهوف نهاية القرن التاسع عشر.
وأكثر ما شغل الأدب الصيني هو اهتمامه وتركيزه على الشواغل الإنسانية والاجتماعية، والذي كان مكتوبا بأسلوب رقيق وسلس وصادق العاطفة وواضح المعنى.

أوج وازدهار
وقد وصل الشعر والنثر أوج ازدهارهما خلال فترة تانغ سونغ (618/1276م)، وتطورت الدراما في فترة أسرة يوان (1271/1368م)، وازدهرت الرواية خلال فترة أسرة مينغ تشينغ (1911م)، وحتى اتخذت شكلها الجديد بعد استيعاب التراث الثقافي للحضارات العالمية كافة وبعد تحريك مساعيها نحو تنمية الحركة الثقافية، وأبرز ماجاء في ذلك إعادة تعليم الأطفال المنقطعين عن الدراسة، وزيادة أيام الدراسة خلال العام الدراسي، وتخصيص مكتبة للأطفال في ناصية كل مبنى يقام على شارع رئيسي، وإقامة المهرجانات والأنشطة الثقافية على مستوى العالم، وغيرها من بعثات ومشروعات ثقافية كبرى.
وأجمل ما في الأدب الصيني أنه –على خلاف الآداب العالمية كافة- لم ينزع عنه الصبغة الشرقية المحافظة على القيم والحكم، وتظل تذكر قارئها بخصوصيتها الثقافية كيفما تشكلت وأينما صدرت.
طريق لوشون
وقد تحدث الزعيم الصيني الراحل ماو تسي دونغ عن أحد أهم الأدباء الصينيين وهو « لو شون» قائلا:» إنه كبير قادة الثورة الثقافية الصينية، وليس أديبا كبيرا فحسب، بل هو مفكر عظيم وثوري مناضل أيضا. إنه يتحلى بالكرامة بكل معناها ولا يعرف شيئا عن التذلل والتملق، وهذا يعتبر أسمى درجات أخلاق لدى شعب يعيش في مجتمع شبه مستعمر ومستعمر».
لو شون..(1881-1936) يعد رائد الحداثة في الأدب الصيني، وله عبارة مؤثرة قال فيها: «حين يسير الناس في اتجاه واحد..يصنع الطريق!»، وهذه المقولة/الحكمة الصينية/ يمكن إسقاطها على التحول الجاد للتنمية في الصين التي تعتمد رؤية الحراك الجمعي، والتي تتبنى القيم والمفاهيم بأشكالها، والتي تؤسس لنفسها طريقا لا يقل أهمية عن طريق الحرير..مفروش بالثقافة والاقتصاد والتطور في مختلف المجالات.
تبادل ثقافي
وضمن تلك المبادرات في التبادل الثقافي، كان للمبادرات العربية-الصينية حضورها، حيث بادر بعض العلماء والخبراء والباحثين الصينيين والعرب إلى طرح سلسلة من الاقتراحات العملية والثمينة الخاصة بالترجمات والتبادل المعرفي الثقافي، ومنها ما تم في بكين للاتفاق على تكوين صندوق صيني- عربي مشترك لدعم الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية ومكافأة المترجمين ودور النشر، وتشكيل لجنة خبراء مشتركة للإشراف على عمل الترجمة، وإحصاء قائمة الكتب التي تمت ترجمتها بين العربية والصينية وإعلانها وتوزيعها على المهتمين بالترجمة، والاهتمام بتنويع الكتب المترجمة بحيث تشمل الكتب التراثية والفكرية والسياسية والعلمية والأدبية فضلا عن مراعاة التوازن الجغرافي النسبي في تحديد عناوين الكتب المترجمة بحيث تشمل اكثر البلدان العربية بقدر الإمكان.
وعلى أساس ذلك، أصدر الجانبان قائمتين تضم كلتيهما أكثر من 30 كتابا مرشحا للترجمة من اللغة الصينية إلى العربية ومن العربية إلى الصينية. وتتألف القائمة الأولى رئيسيا من «حوليات كنفوشيوس» و»كتاب الأخلاق للاوتسي» و»فن الحرب للمعلم سون» بالإضافة إلى مختارات من الشعر الصيني القديم والمعاصر والقصص الصينية القديمة والمعاصرة ومختارات من أدب الأطفال الصيني والمسرح الصيني المعاصر.
وتتمثل القائمة الثانية رئيسيا في غزليات في الشعر العربي ومختارات من الشعر العربي القديم والقصص العربية المعاصرة ومختارات من المسرح العربي المعاصر وأدب الأطفال العربي.
تأثر غربي
والكثير من الصينيين مطلعون على الآداب الغربية، مما جعل أسماء بعينها مؤثرة حتى في حياتهم الخاصة، ومنهم شكسبير، فيكتور هوغو،أندرسن، هينرك إبسن، ليو تولستوي، طاغور ومكسيم غوركي، همنغواي وسارتر وغيرهم من مفكري وأدباء العالم.
هاري بوتر..الصيني
في لقاء صحافي، قال الطفل الصيني بيان جين يانغ: «سأكتب رواية أفضل من هاري بوتر». وصمم بيان جين يانغ على كتابة «الكمان السحري الزمني» بعد قراءة هاري بوتر. وتحكي الرواية قصة طفل يبحث عن أبيه بالاستعانة بكمان سحري ويعاني في سبيل ذلك سلسلة من المغامرات.
والرواية ليست عملا أدبيا ناضجا ولا مقارنة بينها وبين «هاري بوتر الحقيقية»، ولكن هذا التأثير في الطفل الصيني الذي نشره موقع «الصين اليوم» يبين أثر قراءة أدب الخيال في الأطفال الذي جعلهم يتشجعون للكتابة، وهو المطلوب ليكون شكلا من أشكال التعبير عند الطفل، وسبيلا مهما لتحريك أفكاره.
وهاري بوتر أحد أهم كتب الأطفال التي تباع في الصين ولو أنها لاتواكب طبعاتها الصادرة في بلدها، حيث تصدر بعد تأخر ومضي فترات زمنية طويلة، ولكن لهذا الكتاب المؤثر في العالم أجمع تأثيره وحضوره أينما كان..حتى على صاحب المخيلة الصينية المليئة بالتنانين والأسوار العملاقة الضخمة.
مملكة الأرض
هذه الحضارة العظيمة الضخمة، التي تحمل إرثها القيمي والثقافي والنظام المعيشي الصارم لم تنتج عمال بناء بسيطين فقط للعالم، بل أنتجت وتنتج ثقافة لا يمكن استيعابها بيسر، بدأت بالشكل الجمعي لتربية الأطفال وانتهت بالتكوينات التي جعلت من الصينيين أطفالا صغارا ضمن مملكتهم وامبراطوريتهم العظيمة، ولذلك قال الفيلسوف الفرنسي فولتير عن الشعب الصيني:»إنه مملكة الأرض والأقدم والأوسع والأكثر سكانا والأحسن تنظيما في العالم».

تعليقات

المشاركات الشائعة