حوار مع الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين د.حسن مدن


حوار مع الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين

حوار مع الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين
حسن مدن: الدولة لم تفرض الثقافة..
بل حققها المجتمع في مساعي الحرية
أفراح الهندال- جريدة الكويتية
في الحوار مع د.حسن مدن لا يمكنك أن تشحذ ذاكرة الأسئلة السياسية، لأنه الأمين العام للمنبر التقدمي في البحرين وتكتفي، فحياته غربة ممتدة، حياة ضمت كل تناقضاتها في سيرة الترحال والنضال والسجن، والتشبث بالفكرة الحرة والابتعاد القسري، عمر استفتح بحملة تأديبية وعبر سجونها غير محتف إلا بالأمل!
لذا أفردتُ المساحة هنا لأنه حديث يقترب من "ترميم الذاكرة"، تلك الذكريات التي عنون بها كتابه، واحتفظ ببعضها في درج سفلي.. وتقصى خارطتها متتبعا الإنسان والحرية.
·      نزوع دائم نحو الإعلام.. ولكن دراسة الحقوق كانت لك بالمرصاد، ومن ثم المنبر الديمقراطي فاعلا فيه، مرورا بالكتابة والنشر، أين يجد د.مدن نفسه بين هذا كله؟
إذا ما استثنينا تخرجي من كلية الحقوق، الذي لم يعد يعني لي الكثير الآن، حيث إنني لم أمارس المحاماة أبدا، فإني أجد نفسي في كل تلك المجالات التي أشرتِ إليها؛ في الكتابة عامة وفي كتابة المقال الصحافي خاصة، وفي الانشغالات السياسية والانغماس في الشأن العام وقيادتي للمنبر التقدمي خلال الفترة بين 2001و2012 تندرج فيه، ولكن سبق ذلك عملي الوطني والحزبي في إطار جبهة التحرير الوطني ورديفها الشبابي: اتحاد الشباب الديمقراطي منذ نهاية الستينيات في القرن الماضي، وتحديداً منذ العام 1968.
مصادرة الربيع
·      تنقلت بين مصر ودمشق وبغداد.. وموسكو وغيرها، ولكن تلك تحديدا أراضٍ تسكنها الثورات وتشتعل بها، والآن تضم البحرين إليها، ما الذي شكّله هذا في كينونتك؟
تحدثت في كتابي «ترميم الذاكرة» بشيء من الإسهاب عن تجربة إقامتي في كل تلك البلدان سنوات منفاي الطويل التي دامت سبعة وعشرين عاماً، مركزاً في ذلك على الشأن الإنساني في علاقته بالتحولات السياسية الجارية، وكنت في هذا أحكي تجربة جيلي الذي عاش كثيرا من الانكسارات في أحلامه، ومن هنا كان استقبالنا بفرح ثورتي تونس ومصر وما تلاهما من تحركات شعبية في بلدان عربية أخرى، بينها وطني البحرين.
من واقع تجربتي السياسية الطويلة، وهي ذاتها تجربة أبناء جيلي، لا أستطيع أن أخفي قلقي من أن تجري مصادرة ما تعارفنا على تسميته بالربيع العربي من قبل قوى وتوجهات لا تملك رؤية تقدمية للمستقبل، وتبشر ببرامج تعيد مجتمعاتنا القهقرى، وهذا ما كشفت عنه مخرجات الانتخابات التي جرت في بعض البلدان التي أسقطت شعوبها أنظمة الاستبداد والقمع، التي هيمنت على السلطة والمال العام خلال عقود من التسلط الرجعي. أخشى أن تصادر أحلام الشباب الذين صنعوا الثورات في الميادين من قبل قوى ليست جديرة بأن تكون ممثلة لأحلام وطموحات هؤلاء الشباب. كما يقلقني أن يكون الغرب وقوات «الناتو» شريكاً في حسم الأمور في هذا البلد العربي أو ذاك، طمعاً في الهيمنة على الثروات العربية، وخاصة النفط، وهذا ما شاهدنا نموذجاً له في ليبيا.
·      تقول: «مع أن البحث المأساوي لجلجامش عن الخلود انتهى مأساوياً، لكن المهم أنه عاش ما يكفيه ليرى»، ما الذي فعلته الرؤية بالرؤيا.. لك؟
هناك عبارة لروائي والقاص آرنست همنغواي تعجبني كثيراً، وأجد أن في محتواها جوابا عن سؤالك. يقول همنغواي: إن الحياة مأساة وإنها ليس لها إلا نهاية واحدة، ولكن حين تحس بأنك قادر على إيجاد شيء ما، وعلى ابتكار شيء يسعدك أن تقرأه، وعلى أن تقوم بذلك يومياً، فإن هذا كله يمنحك من المتعة ما يعجز عنه سواك، وذلك ما فعلته، وما عدا هذا فشيء عابر لا يهم أبداً».
لابد من العقد الاجتماعي
·      ما الفرق بين انتفاضة 1965 والثورة المشتعلة حالا؟ وكيف ترى نهاياتها؟
الخلاصة الجوهرية من مسيرة العمل الوطني في البحرين أنه من أجل تفادي الأزمات السياسية، لا بد من بلوغ عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع، يضمن اقتسام السلطة والثروة، وتمكين الشعب من أن يكون شريكاً في رسم قراره، من خلال سلطة تشريعية ذات صلاحيات حقيقية في المساءلة والتشريع، وحكومة تمثل الإرادة الشعبية ونظام انتخابي ديمقراطي وعادل، وإصلاح القضاء وتحرير الإعلام من قبضة الدولة.
هذه أهداف ناضل ويناضل من أجلها الشعب البحريني، وفي سبيل نيلها قدم ويقدم التضحيات، وأي حل لا يأخذ بعين الاعتبار تلك المطالبات لن يكون قادراً على البقاء، وسيحمل في طياته مخاطر إعادة إنتاج الأزمات، وبطبيعة الحال فإن قدر البحرينيين من مختلف الفئات أن يتجمعوا على كلمة سواء، من خلال وحدة وطنية قوية حول مطالب الإصلاح والتقدم، لأن الانشطار الطائفي الذي يعيشه المجتمع حالياً مدمر في نتائجه وتداعياته، ويضع قضية الإصلاح السياسي في دائرة الخطر، وهو الأمر الذي لا يفيد سوى القوى التي تريد ديمومة الوضع الراهن.
الحنين إلى الزمن
·      لعنوان أي كتاب علاقة وطيدة بمؤلفه، «ترميم الذاكرة»، أي ذاكرة تلك التي نسعفها بالترميم والاشتغال والتدوين؟
في الكتاب اشتغلت على ترميم ذاكرتي الشخصية. ذاكرتنا هي بقايا مبعثرة من أحداث وعلاقات وأفكار وتجارب، على الصعيد الشخصي سعيت لترميم تلك البقايا وإعادة بناءها، وأعترف أن هاجس هذا الاشتغال ومبعثه هو الحنين، فبسبب البعد الطويل عن الوطن سكنني حنين عميق إليه، كنت أعتقد أنني سأشفى من هذا الحنين بمجرد العودة إلى الوطن، لكني اكتشفت أن هذا الحنين لا يقتصر على الوطن الذي بعُد أو بعدنا عنه، وإنما أيضا إلى زمن لا يعود ولن يعود، مما عنى لي شخصياً أنني سأظل مسكوناً بهذا الحنين ما حييت.
الثورة انتحارا
·      تستشهد كثيرا بالأسماء الإبداعية على مستوى الفكر والأدب والفن في البحرين، معبرا عن ذلك بالحيوية الثقافية التي أنتجت الحراك البحريني المشهود له، ألا ترى الثورة جزءا منها؟
الحركة الإبداعية والثقافية في البحرين كانت دائماً وثيقة الصلة بالنضال الوطني والاجتماعي، وقدمت الوجوه المعروفة في تاريخنا الإبداعي والثقافي المعاصر تضحيات جليلة ضريبة مواقفها الوطنية، إما بالسجن أو النفي أو الإقصاء والتهميش. جذوة الوعي الوطني في البحرين ظلت دائماً متقدة، وعبرت عن نفسها بأشكال مختلفة من الاحتجاج والمطالبات السياسية بالحرية والتقدم والإصلاح، وهذا الأمر وجد له تجليات في الماضي ويجد له تجليات في الحاضر.
كتبت في الماضي عن أروى صالح، «هذه المرأة الشابة الرقيقة، الشفافة الحالمة لم تتحمل مسعى التدجين ومصادرة الحلم، فاختارت أقصر الطرق حتى لا تقع ضحية التناقض بين الروح وبين الحاجة، ولم يكن هذا الطريق سوى الانتحار».. أترى الانتحار سبيل المطالبة بالحقوق تحت مظلة اللاعنف والمطالبة السلمية؟
ما شدني في حياة وممات أروى صالح، هو أنني اعتبرها ممثلة نموذجية لجيلنا في صعود أحلامه وانكسارها، كان هذا الجيل الذي طمح للقطيعة مع واقع عربي فاسد حمل ما في هذا الواقع من مثالب، فلم يجد أولئك الحالمون من أبناء هذا الجيل سوى الشعور بالغربة في محيطهم، بعد أن وقفوا على المسافة الشاسعة بين الحلم والواقع.
حداد.. وسيرة النضال
·      ظهرت أنت ومجموعة من الأدباء من مثل قاسم حداد وأمين صالح وعلي عبدالله خليفة بالخطاب المهادن بين الثورة والإصلاح السلمي بعيدا عن الشعارات الدينية، ما اعتبره البعض تضعضعا وتخاذلا.. حدثنا عن موقفك ورؤيتك لمواقف المبدعين من الحالة السياسية في البحرين؟
المنبر التقدمي الذي أتشرف بأن أكون أمينه العام هو إحدى القوى السياسية التي شاركت في التحرك الشعبي من أجل الديمقراطية والمملكة الدستورية في العام الفائت، ونالنا ما نال أبناء شعبنا ومن القوى الوطنية الأخرى من عسف، وموقفي الشخصي لا ينفصل عن موقف منبرنا التقدمي الذي يمثل تاريخاً عريقاً في النضال.
لا أستطيع أن أتحدث عن الجميع، ولكنني على سبيل المثال أجد أنه من المعيب أن يجري التشكيك في مواقف مبدع كبير مثل قاسم حداد قدم تضحيات كثيرة في النضال الوطني، وأفنى سنوات طويلة في السجن قبل أن يُولد الكثيرون ممن يكيلون له ولغيره التهم حالياً.
الإبداع والمعاناة
·      أيهما يشعل الإبداع ويحركه.. المعاناة، أم اهتمام الدولة وفعالياتها؟
الحريات في أي مجتمع ينشد أن يكون ديمقراطياً لا تتجزأ. وحرية التعبير هي حاكم من حواكم هذه الحرية، مثلما نطالب بالحريات السياسية، نطالب ونذود عن حرية الثقافة، بل إن في الانتصار لحرية هذه الأخيرة انتصار لأكثر القيم الإنسانية عمقاً ورحابة، ذلك أن ما في البحرين من حركة ثقافية وفنية هي نتاج تطور مجتمعي صحي وطبيعي، لم تفرضه الدولة، وإنما حققه المجتمع في مسعاه المديد للتطور والحداثة، ولم تكن علاقة الدولة بالثقافة ومؤسساتها على ما يرام في العديد من الحالات، حسبنا هنا أن نتذكر ما طبع علاقة الجهات الرسمية بأسرة الأدباء والكتاب في مراحل مختلفة من شد وجذب، وحسبنا هنا أن نتذكر ما تعرضت له أسماء لامعة في دنيانا الثقافية من معاناة وإقصاء.
إن الثقافة هي فضاؤنا الحر، ويجب أن تبقى كذلك، وعلينا أن ننتصر للثقافة في مطلق الحالات، سواء أتاها العسف من أجهزة حكومية أو قوى مجتمعية. ولا نقول ننتصر لها ظالمة أو مظلومة، فالثقافة لا يمكن أن تكون ظالمة أبداً، لأنها تربي في الأذهان والنفوس التهذيب ورقي الإحساس والذائقة، وتنمي لديهم الوعي والمعرفة، وهي الضمير الحي للناس، وبوصلتهم نحو الفطرة السوية.
·      شخص بمثل حسك الحر وفكرك المستنير وعملك الدؤوب.. لا بد أن له جانبا شعريا مخبأ، في أي درج تخبئ كتاباتك الأدبية؟
أفصح عن هذا الجانب في بعض كتاباتي، من قرؤوا «ترميم الذاكرة» تعاملوا معه كعمل أدبي في المقام الأول، قبل أن يكون مجرد سيرة ذاتية، ولأنك أشرت في سؤالك إلى الدرج، فإنني أقول إن في هذا الدرج مشاريع أدبية مقبلة أتمنى أن أتفرغ لإنجازها في القريب.

تعليقات

المشاركات الشائعة