التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الرّوائي الذي سجّل «فيشغراد» في ذاكرة العالم..


تاريخ الخبر : 12/03/2012 08:33اّخر تحديث : 12/03/2012 08:33
الذكرى 120 لرحيل اليوغسلافي إيفو أندريتش

الرّوائي الذي سجّل «فيشغراد» في ذاكرة العالم..

أفراح الهندال


تمر اليوم الذكرى 120 على وفاة الروائي اليوغسلافي إيفو أندريتش، كاتب روايتي «جسر على نهر الدرينا» و«الفناء الملعون» وغيرهما من الأعمال التي وصلت إلى القارئ العربي عن طريق عراب تقديمه د.وليد السباعي، الذي قام بترجمة رواياته وتقديمها إلى اتحاد الكتاب العرب الذي وافق على نشرها ونشرت في عدة طبعات حتى العام.
وهو الكاتب الذي سجل مدينة «فيشغراد» في ذاكرة العالم من خلال رواياته، المدينة التي تركها وبقيت في قلبه بحيث كانت موئله ومحطة العودة دائما.
«الدرب «الفيشيغرادي» الوعر، الذي لا يراه ولا يشعر به سواي، كان يمر باستمرار، منذ أن غادرته وحتى الآن تحت جميع سبل الأرض.. كنت في الحقيقة، أتحقق من خطواتي وأكيف سيري تبعا لهذا الدرب الذي لم يفارقني طيلة حياتي..». هذا ما كتبه أندريتش، في فيشيغراد التي استذكرت مرور نصف قرن على منح جائزة نوبل للآداب إليه «1961»باحتفالية ضخمة أقامتها العام الماضي وامتدت طوال العام باسمه، تلك المدينة التي أمضى طفولته فيها الى جانب نهر رينا، وغير بعيد عن الجسر الحجري الذي بناه أحد الولاة العثمانيين الذي حكم هذه المنطقة، وحيث شكلت هذه المحطة منطلقا لتكوينه الفكري والثقافي.. إذ اكتسب الكثير من الملامح والصفات التي تجعله أحد شهود العصر الكبار على ناسها وحجارتها وتاريخها والآلام التي عانتها خلال قرون متوالية.

الصربي في البوسنة
الروائي اليوغسلافي بوسني الأصل ولكنه أعلن إنه صربي بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك لأنه من صرب البوسنة الذين كانوا في دولة واحدة ولكنها تحولت إلى عدة جمهوريات بعد الحرب الأهلية في يوغوسلافيا عام 1992-1996، ويعد اندريتش أحد أهم كتاب هذا العصر، نظرا «لما انجزه في مجالات القصة والرواية والشعر، والتي تضمنت أسلوبه السردي ممازجا رؤاه الفلسفية وبروح لم تخل من الشعر، لتعبر عن مجمل ثقافته ومعارفه في الأدب والتاريخ والفن».
ويحدد الروائي عبدالرحمن منيف في دراسة عنه أن أهميته تبرز «لأنه استطاع ببراعة وصدق تقديم لوحة بالغة التفاصيل، شديدة الثراء،عن بلده، البوسنة، وما تتصف به هذه المنطقة من تنوع وغنى، ولكونها تشكل نقطة تماس بين ثقافات وحضارات وديانات، وما يعنيه ذلك من امكانية التفاعل والتأثر المتبادل، أو بداية الصدام والعنف والكره ثم الحرائق والحروب.

انهيارات متتالية
أما المرحلة التاريخية التي عانى اندريتش خلالها فكانت منعطفا من المنعطفات الكبرى في تاريخ البشرية، إذ تخللها انهيار الامبراطوريات القديمة، والحروب العالمية، وتغير حدود الدول وتغير الانظمة الاجتماعية لكثير منها، وبروز احتمال وامكانية انتقال البشرية بأسرها من حال وأوضاع الى أخرى مختلفة، حيث تنتفي الهيمنة، ويسود العدل، وتتآخى الشعوب، تتفاعل الثقافات، ويزول التعصب والحقد والثأر، لكن هذا لحلم الذي دفع من أجل تحقيقه الكثير لم يلبث أن سقط، وعادت، من جديد الغرائز والمصالح الأنانية والتعصب القومي والتطهير العرقي والاضطهاد، لتتحكم وتسيطر، الأمر الذي جعل عملية الانتقال باهظة، قاسية، مؤجلة، وقد لا تتحقق في فترة منظورة.
وحياة اندريتش ذاتها، وما تمثله من معاناة ومصاعب وتحديات، فإنها صورة للعصر الذي عاشه وشهادة على هذا العصر الذي لا يعرف الرأفة والعدل والمنطق. وليس من المبالغة القول ان حياة هذا الكاتب كانت من أبرز مصادر روائعه الفنية، القصة والرواية، إذ سجل الكثير مما عاشه وعاناه، وقدم آلات وأماكن وشخصيات عرفها عن قرب، وما كان لها ان تكتسب هذه الحياة والغنى والاستمرار لولا المعرفة الوثيقة والحب الغامر الذي دفعه الى تسجيلها.

مأزق تلاقي أسى التاريخ
وحول المنعطفات التاريخية في حياته؛ والتي أطلق عليها منيف مسمى «المأزق»، ففسرها بحالة «مزج بطريقة فذة لعوامل التاريخ والجغرافيا، إضافة الى عناصر أخرى، ما كان لها أن تمتزج بهذا المقدار لولا الخواص التي ميزها، ولولا اللحظات التاريخية التي تجعلها ممكنة، وبالتالي يتولد عن ذلك العبء والضريبة، عبء المكان وضريبة الاختلاف، فأن يولد ايفو اندريتش في العقد الأخير من القرن الماضي ،أي عام 1892، وفي مكان مثل البوسنة، حيث كان العالم عيش أحد منعطفاته الكبرى، إذ بلغ التوتر أقصى حالاته، تشابكت القوى والارادات والطموحات في صراع محتدم، كما كانت الامبراطوريات القديمة: العثمانية والنمساوية- المجرية والروسية، تتهيأ لتخوض معاركها الأخيرة، فيما بينها، ومع القوى المنافسة، كما مع الشعوب التي تسيطر عليها، في ذلك الوقت الذي كانت البشرية تودع قرنا «حافلا «بالصراعات والتنافس والدماء، وتستعد لاستقبال قرن آخر لا تعرف ماذا يمكن أن يتمخض عنه، في ذلك الوقت بالذات يولد اندريتش من ابوين فقيرين. ورغم صعوبة الحياة لا يلبث الأب ان يموت، تاركا الصغير الذي لم يبلغ السنتين لأم فتية لا تستطيع أن تعول نفسها، الأمر الذي يحمل العمة لأن تتكفل برعايته، بعد أن تنقله من ترافنك التي ولد فيها الى فيشيغراد، وستكون هاتان المدينتان مصدر إلهامه، ومحورا لأهم ما سيكتب».

كتب وجدار وفقر..
واقترابا من بيئته الخاصة، حيث مات الأب بمرض السل، وهو المرض الذي طارد الابن في سني شبابه، والتي أسبغها عبدالرحمن منيف على كتاباته قائلا: «تتبدى له ذكرى الموت التي لن تفارقه أبدا، فتطبع نظرته الى النهاية. أما الام التي اضطرت لمغادرة المدينة، والانتقال الى سراييفو، لتعيش في غرفة فقيرة بائسة، سوف تبقى صورتها راسخة في ذهنه، وسوف تتأكد هذه الصورة الحزينة حين يلتحق بها ويعيش معها لكي يتابع دراسته الثانوية، إذ بمقدار الرغبة في التعلم والتعطش للقراءة، لم يكن قادرا على شراء الكتاب».
يكتب أندريتش عن تلك الفترة الحزينة الصعبة، أي عام 1902 ما يلي: « لقد أحسست بالفقر، بكل ما تعنيه الكلمة، في وقت مبكر جدا، وأدركت ماذا يعني اليسر والعسر، لقد لمست ذلك الجدار الشاهق الحائل بين الانسان وما يهواه. تجلى ذلك أكثر ما تجلى أمام واجهة الكتب، وفي حاجتي الماسة ورغبتي التي لم تتحقق في اقتناء تلك الكتب أو قراءتها».

تعليقات

المشاركات الشائعة