حوار مع د.نواف الجحمة:أدب الرحلة الغربي نمّط الشرقيين !
"مقتطع من حوار فقد مع إغلاق صحيفة أوان"
حصل الأستاذ المساعد في كلية التربية الأساسية على شهادة الدكتوراه في الآداب بتخصص التاريخ الوسيط من جامعة محمد الخامس بالرباط، وقدم العديد من البحوث والدراسات التي احتضنتها الدوريات والمجلات الثقافية الكبرى بحفاوة، وحاز كتابه:
«رحلة الغرب الإسلامي وصورة المشرق العربي، من القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري(12-14م)»
جائزة ابن بطوطة للدراسات في الأدب الجغرافي من «دار السويدي» .. وتعد من الجوائز المهمة على مستوى الوطن العربي
.
أفراح الهندال: أنت رحالة من نوع آخر ... يُرافق من يقرأ لهم، ويسافر معهم ويرى ما يرون لكن بعينين مختلفتين، فكيف ترى الرحلة؟
أفراح الهندال: أنت رحالة من نوع آخر ... يُرافق من يقرأ لهم، ويسافر معهم ويرى ما يرون لكن بعينين مختلفتين، فكيف ترى الرحلة؟
نواف الجحمة: مما لا شك فيه أن رحلة الذات هي سبر غوار النفس، ومدونات المسافرين الشخصية تشكل في الثقافات الأخرى مكتبة قائمة في حد ذاتها «الرحلة لا تنتهي إلا بموت العهد»، والرحلة متجذرة في الشخصية العربية الإسلامية، وهناك شواهد وقرائن رحلية وتاريخية وجغرافية، ومنها «ملحمة جلجامش» في العراق، وهي رحلة معقدة تتكلم عن طقوس وجنائز وأفراح وأحزان لتعبر عن كينونة الشخصية العراقية، وهذا ما نلحظه في تاريخ وادي الرافدين، المسألة تنتقل معنا إلى الرحلة اليونانية (هوميروس) في الأوديسة، وكيف استطاع هذا العبقري أن يجسد شخصيات رحلية، وكنت أود من النقاد أن يرجعوا إلى الشعراء الرحالة في الشعر العربي الجاهلي أو ما نسميه (بالشعر الجزيري) نسبة إلى جزيرة العرب، فقصيدة زهير بن أبي سلمى «ألا هل أبيتن ليلة بجنب الغضى*أزجي الغلاص النواجيا» تعبر عن اشتياق ذاك الرجل الذي كان في بلاد فارس إلى نجد، وإلى النوق البكر، فهناك شعراء رحالة استطاعوا أن يتكلموا عن الرحلة ولكن بلغة جزيرية عربية وهذا ما يدخل في دائرة «تاريخ الأيام».كذلك الفينقيون وهجراتهم وتأسيس مدينة قرطاج في تونس وإفريقية نفاجأ بأن البحر الأبيض المتوسط كان بحيرة يونانية ثم كانت (بحيرة رومية) ثم أضحت لنا بحيرة عربية إسلامية، وحملت هذه البحيرة رحلات ملحمية وسفارية وتجارية واستكشافية ودينية.
هذا بالإضافة إلى اكتشاف «أميركا» عن طريق الرحلة أيضًا، ومن خلال كريستوف كولومبس باعتماده على خريطة الشريف الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، أما نزوح الأروربيين واليهود إلى أميركا فهي رحلة مهجرية خطيرة جداً، يقول تعالى: «إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد».
- إن
كان «علم الآثار» هو «رحلة للبحث عن الإنسان»؛ فأين تجد آثار الإنسان في «أدب
الرحلات»؟
- هناك رحلات ذكرت في كتاب الله عز وجل وهذا يدخل في علم القصص، مثل أصحاب الكهف يقول تعالى:"نحن نقص عليك نبأهم بالحق"، ومنها رحلة الملك «ذي القرنين»، ورحلة موسى عليه السلام في طلب العلم،وأدب الرحلة من أمتع المؤلفات وأكثرها رواجاً على اختلاف قيمتها الأدبية وتنوع موضوعاتها، ونتبين آثار الإنسان فيها في المقارنة ما بين نظرة المسافر بوسائل حديثة؛ وبين رحالة عرب قدامى وصلوا إلى المدن بشق الأنفس، ودونوا أحوال الإنسان ونشاطه الاجتماعي وعاداته وتقاليده وحياته الروحية بما يجدد دم الرغبة في استكشاف الآخر ويردم الفجوة الكبيرة بين الأزمنة.
- هناك رحلات ذكرت في كتاب الله عز وجل وهذا يدخل في علم القصص، مثل أصحاب الكهف يقول تعالى:"نحن نقص عليك نبأهم بالحق"، ومنها رحلة الملك «ذي القرنين»، ورحلة موسى عليه السلام في طلب العلم،وأدب الرحلة من أمتع المؤلفات وأكثرها رواجاً على اختلاف قيمتها الأدبية وتنوع موضوعاتها، ونتبين آثار الإنسان فيها في المقارنة ما بين نظرة المسافر بوسائل حديثة؛ وبين رحالة عرب قدامى وصلوا إلى المدن بشق الأنفس، ودونوا أحوال الإنسان ونشاطه الاجتماعي وعاداته وتقاليده وحياته الروحية بما يجدد دم الرغبة في استكشاف الآخر ويردم الفجوة الكبيرة بين الأزمنة.
- ولم
اخترت «أدب الرحلات» بلغتها وزخرفتها البلاغية دون التقارير ومدونات السير
التقريرية؟
- أدب الرحلة يشكل ثروة معرفية كبيرة ومخزناً للمشاهدة والقصص والوقائع والمعلومات، وهو مصدر من مصادر الجغرافيا والتاريخ فضلاً عن كونه مادة سردية شائعة تحتوي على العجيب والمدهش والغريب، بلوحات فنية شكلتها مشاعر حميمة، وخلجات وجدانية وأخيلة متعانقة، وفيها يتقمص الرحالة شخصية الراوي ليمزج بين الرصد التأريخي والأدب، وبذلك يتميز «أدب الرحلة» ليكون مادة معرفية جغرافية أو مصدرا تاريخيًا إلى جانب إبداعه اللغوي ومتعته في القراءة، ومن أجل ذلك اخترت أدب الرحلة في دراستي.
- أدب الرحلة يشكل ثروة معرفية كبيرة ومخزناً للمشاهدة والقصص والوقائع والمعلومات، وهو مصدر من مصادر الجغرافيا والتاريخ فضلاً عن كونه مادة سردية شائعة تحتوي على العجيب والمدهش والغريب، بلوحات فنية شكلتها مشاعر حميمة، وخلجات وجدانية وأخيلة متعانقة، وفيها يتقمص الرحالة شخصية الراوي ليمزج بين الرصد التأريخي والأدب، وبذلك يتميز «أدب الرحلة» ليكون مادة معرفية جغرافية أو مصدرا تاريخيًا إلى جانب إبداعه اللغوي ومتعته في القراءة، ومن أجل ذلك اخترت أدب الرحلة في دراستي.
- أتظن
أنه بالإمكان استمرار أدب الرحلات بدهشة الاكتشاف الأول في ظل رفاهية السفر دون
مناكفة ما مر بالرحالة القدماء؟
- استكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر تشكل طريق الرحلة، والأفكار التي تسربت وميزت النظرة إلى المظاهر والأفكار والناس والدول ممكن أن تخرج من الصورة القبلية إلى الصورة البعدية، ومازال شغف الرحال يبحث في المجهول عن الجديد، فابن بطوطة -على سبيل المثال لا الحصر- عندما يسلك طريقاً من القسطنطينية يسلك معبرًا لم يمر به من قبل، وإذا رجع قافلا فإنه يأخذ معبراً آخر! وهذا هو «الشغف البطوطي» في الاستكشاف، واستطاع الأدباء والباحثون أن يقرؤوا رحلة ابن بطوطة كأنموذج فريد في النظر إلى استراتيجية العجيب والغريب فهو شيخ الرحالين، وأفضل من كتب في المجال البحثي عن العحيب الغريب من الاوروبيين هو الفرنسي «تودوروف» في كتابه «العجائبية».
- استكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر تشكل طريق الرحلة، والأفكار التي تسربت وميزت النظرة إلى المظاهر والأفكار والناس والدول ممكن أن تخرج من الصورة القبلية إلى الصورة البعدية، ومازال شغف الرحال يبحث في المجهول عن الجديد، فابن بطوطة -على سبيل المثال لا الحصر- عندما يسلك طريقاً من القسطنطينية يسلك معبرًا لم يمر به من قبل، وإذا رجع قافلا فإنه يأخذ معبراً آخر! وهذا هو «الشغف البطوطي» في الاستكشاف، واستطاع الأدباء والباحثون أن يقرؤوا رحلة ابن بطوطة كأنموذج فريد في النظر إلى استراتيجية العجيب والغريب فهو شيخ الرحالين، وأفضل من كتب في المجال البحثي عن العحيب الغريب من الاوروبيين هو الفرنسي «تودوروف» في كتابه «العجائبية».
- وهل
يمكن إعادة خلق «أدب الرحلات» في عصرنا؟
-ممكن باستثمار الرحلات كما فعل ابن بطوطة؛ فهذا الرجل قد حج ست مرات على مدى 30 سنة قبل أن يقفل إلى بلده ويلقى عاهل المغرب (أبا عنان)، لينطلق نحو الأندلس وإفريقية، ورحلته جمعت غرضين:النسك والحج إلى بيت الله الحرام، واستكمال المعرفة وطلب العلم والبحث عن العلماء في السياحة الصوفية.بين الاستشراق و«الاستغراب»
-ممكن باستثمار الرحلات كما فعل ابن بطوطة؛ فهذا الرجل قد حج ست مرات على مدى 30 سنة قبل أن يقفل إلى بلده ويلقى عاهل المغرب (أبا عنان)، لينطلق نحو الأندلس وإفريقية، ورحلته جمعت غرضين:النسك والحج إلى بيت الله الحرام، واستكمال المعرفة وطلب العلم والبحث عن العلماء في السياحة الصوفية.بين الاستشراق و«الاستغراب»
- ما
الفرق بين تدوينيّ الرحالة العرب والرحالة الغرب كلاهما عن الآخر؟
- أدب الرحلة الغربي مكـّن من تنميط الشرق والشرقيين عبر صور دنيا بوساطة مخيلة متعطشة إلى العجيب والغريب الشرقي، بينما أدب الرحلة العربية إلى الغرب مختلف تماماً، فهو يلحق أو يتبع ملامح النهضة العلمية الصناعية وتطور العمران والعصرنة وهذا يدخل في الفضول المعرفي، واستطاع من باب طلب العلم واقتفاء الأثر الخروج من الشلل الحضاري.
الظاهرة الغريبة هي أن قراءة الآخر الشرقي وتأويله شكلت دافعاً ومحرضاً لأفراد النخب لمواجهة صور غربية لمجتمعات جديدة، وهو ما ولد لديهم دوافع لشد الرحال نحو الآخر الغربي «لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟»، وظاهرة الاستعمار كانت سببًا من أسباب اهتمام الرحالة العرب من مثل: الفاسي، الكردودي، جرجي زيدان، محمد كرد علي، محمد رشيد رضا، محمود تيمور.. وغيرهم، كل هؤلاء تكلموا عن هذا الموضوع واشتركوا فيه.والاختلاف ما بين رحالة الغرب إلى المشرق العربي؛ أو رحالة عرب كتبوا عن الآخر الغربي تكمن في «الوظيفة» التي تكون للرحلة من هؤلاء، و«السبب الداعي» إلى رحلاتهم ووجهاتهم ومراحل الاستكشاف؛ فالرحلة الوسيطية (في العصور الوسطى) لم تكن فيها روسيا ولا أي من بلاد أوروبا تحمل أيًا مظاهر الحداثة لحظة الوعي بالتفاوت
- أدب الرحلة الغربي مكـّن من تنميط الشرق والشرقيين عبر صور دنيا بوساطة مخيلة متعطشة إلى العجيب والغريب الشرقي، بينما أدب الرحلة العربية إلى الغرب مختلف تماماً، فهو يلحق أو يتبع ملامح النهضة العلمية الصناعية وتطور العمران والعصرنة وهذا يدخل في الفضول المعرفي، واستطاع من باب طلب العلم واقتفاء الأثر الخروج من الشلل الحضاري.
الظاهرة الغريبة هي أن قراءة الآخر الشرقي وتأويله شكلت دافعاً ومحرضاً لأفراد النخب لمواجهة صور غربية لمجتمعات جديدة، وهو ما ولد لديهم دوافع لشد الرحال نحو الآخر الغربي «لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟»، وظاهرة الاستعمار كانت سببًا من أسباب اهتمام الرحالة العرب من مثل: الفاسي، الكردودي، جرجي زيدان، محمد كرد علي، محمد رشيد رضا، محمود تيمور.. وغيرهم، كل هؤلاء تكلموا عن هذا الموضوع واشتركوا فيه.والاختلاف ما بين رحالة الغرب إلى المشرق العربي؛ أو رحالة عرب كتبوا عن الآخر الغربي تكمن في «الوظيفة» التي تكون للرحلة من هؤلاء، و«السبب الداعي» إلى رحلاتهم ووجهاتهم ومراحل الاستكشاف؛ فالرحلة الوسيطية (في العصور الوسطى) لم تكن فيها روسيا ولا أي من بلاد أوروبا تحمل أيًا مظاهر الحداثة لحظة الوعي بالتفاوت
- تبرز
الكتابة عند العربي بمزيج الرصد والمقارنة والحسرة والانبهار؛ بينما يكتب الغربي
متجردا من كمّ المشاعر بملاحظات دقيقة ومجردة غالبًا. كيف تفسر ذلك؟
- الرحلة المعاصرة هي لحظة الوعي بالتفاوت «روح الانهزام والانكسار والحسرة (هم ونحن .. لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟)، وهي نظرات رحلية ليست بعيدة عن الأوضاع السياسية التي كانت تمر بها المنطقة، وهنا يدخل الباحث التاريخي فيجد ظاهرة التواكب، وما يحصل في المشرق نجد انعكاسه وصداه في المغرب العربي .. فالأمة الإسلامية واحدة وهذا سر قوتنا وضعفنا في تلك اللحظة، وأغلب الرحالة الغربيين جاؤوا ضمن وظائف عسكرية استخباراتية، لذلك برزت مدوناتهم ومذكراتهم التاريخية.
- الرحلة المعاصرة هي لحظة الوعي بالتفاوت «روح الانهزام والانكسار والحسرة (هم ونحن .. لأي شيء تقدموا وتأخرنا؟)، وهي نظرات رحلية ليست بعيدة عن الأوضاع السياسية التي كانت تمر بها المنطقة، وهنا يدخل الباحث التاريخي فيجد ظاهرة التواكب، وما يحصل في المشرق نجد انعكاسه وصداه في المغرب العربي .. فالأمة الإسلامية واحدة وهذا سر قوتنا وضعفنا في تلك اللحظة، وأغلب الرحالة الغربيين جاؤوا ضمن وظائف عسكرية استخباراتية، لذلك برزت مدوناتهم ومذكراتهم التاريخية.
- تقصد
أنهم جواسيس؟
- لا أستطيع أن أدعي أنهم جواسيس، ولكن أغلب ما كتبوا كان عبارة عن تقارير كتبت عما يحصل في المشرق – ليست بالشكل الاستخباراتي - وذلك بما يعود عليهم بالنفع، فأغلب الرحلات الغربية تخرج من الحكومات ولا تخرج من دائرة الأفراد، (ماركوبولو) هل هو شخصية أرادت أن تتكلم مثلاً عن بلاد الصين أو بلاد البرتغال بطريقة ابن بطوطة؟ أم هي عبارة عن تقارير كتبها للحكومة الإيطالية؟
- لا أستطيع أن أدعي أنهم جواسيس، ولكن أغلب ما كتبوا كان عبارة عن تقارير كتبت عما يحصل في المشرق – ليست بالشكل الاستخباراتي - وذلك بما يعود عليهم بالنفع، فأغلب الرحلات الغربية تخرج من الحكومات ولا تخرج من دائرة الأفراد، (ماركوبولو) هل هو شخصية أرادت أن تتكلم مثلاً عن بلاد الصين أو بلاد البرتغال بطريقة ابن بطوطة؟ أم هي عبارة عن تقارير كتبها للحكومة الإيطالية؟
27-5-2008
تعليقات
إرسال تعليق