حوار مع أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت د.محمد الوهيب
تسييس التيارات الإسلامية قوّض أركان الدولة المدنية
د. محمد الوهيب: الدستور ليس نصاً إلهياً..!
أفراح الهندال
أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت د.محمد الوهيب لا يعترف بـ «المطارحات» عنوانا لمقالاته التي يكتبها وينادي فيها بحقوق الإنسان وقضايا المواطنة وإشكاليات الحالات بشكل عام فقط؛ بل يراها حالة تفاعل وحراك ضرورية، لذا اشترك مع مجموعة من الأكاديميين لتأسيس المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة لطرح القضايا المحلية بموضوعية لتكريس المواطنة الإيجابية الفاعلة، وتعزيز روح المبادرة لتحمل المسؤولية الوطنية والمساهمة في عملية التنمية وصناعة القرار السياسي، والذي أطلق على أثره مجموعة من الفعاليات والحملات آخرها حملة «الكويت أولى»، والتي تستهدف تخفيف التوتر والاحتقان السياسي والاجتماعي عبر طرح بدائل وطنية عقلانية ومدنية.
إضافة إلى مشاركته في الحراك الشعبي الذي يدخل في نطاق تلك المطالبات الإنسانية والحقوقية.
«الكويتية» حاورت د. الوهيب، مقتربة من أفكاره ورؤاه ومشاهدته التي لا تخلو من أسى!
د.محمد الوهيب؛ بين تقارير المنظمات واللجان؛ وواقع الحريات في الكويت.. كيف تقيم المشهد؟
من الضروري جدا أن نعي قبل مناقشتنا لهذا الموضوع الكبير أن الكويت دولة دخلت في زمرة المجتمع الدولي والتزمت باتفاقيات عدة تحترم بل وتشدد على ضمان حقوق الإنسان، و»الحرية» هذه التي نتحدث عنها تقع في مقدمة هذه الحقوق. ولا خيار لنا، إذا ما ارتضينا أن نكون دولة حديثة بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا أن تنص دساتيرنا وقوانيننا على هذه الحريات كحرية المعتقد والفكر والبحث العلمي...الخ. الضمان النظري لهذه الحقوق في الدساتير هو أمر لا غبار عليه، ولكن الممارسات الفعلية على أرض الواقع كانت في الغالب أمرا آخر. من بين العوامل التي ساهمت في اختلاف الواقع عن المثال الذي رسمته المواثيق الدولية، هو الظهور القوي للتيارات الإسلامية على الساحة السياسية وما نتج عن ذلك من تقويض للعديد من أركان الدولة المدنية. على سبيل المثال لا الحصر، استخدامهم للأغلبية النيابية في فرض مفهوم خاص للدين على المجتمع بأسره كالفصل بين الجنسين في التعليم المشترك، فضلا عن ممارسات الدولة أو السلطة في هذا التدهور الذي طرأ على حرية التعبير في الكويت كتعطيل بعض الصحف إداريا، سحب تراخيص بعض القنوات الفضائية وصدور العديد من الأحكام القضائية بحق كتاب وصحافيين.
الدستور ليس نصا إلهيا
في الدستور الفرنسي وانطلاقا من رؤى الحريات؛ للشعب دائما الحق في إعادة النظر، في إصلاح وفي تغيير الدستور.. هل تجد أنها فاعلة لو تم تطبيقها في الكويت؟
الدستور ليس نصا إلهيا كي ننظر له بعين القداسة، إنه وثيقة مدنية وضعها الشعب في فترة من فترات تطوره التاريخي عبرت عن الوعي الجمعي الخاص بهذه المرحلة بضرورة تنظيم الحياة الاجتماعية بهذا الشكل أو ذاك. ولأن التغير والصيرورة من طبيعة المجتمعات الإنسانية فيصبح بالتالي تغير شكل الأنظمة النظرية، الدستور إن شئت، ضرورة محضة.
كل الحكومات التي تتجاهل هذا الحراك الاجتماعي والسياسي على الأرض وتقبع أسيرة في برجها العاجي إما أن تجد نفسها خارج صيرورة التاريخ، لأن التاريخ قد لفظها، أو أن تجد نفسها مصابة بعجز سياسي عن التعاطي مع الأحداث والمتغيرات، باختصار الحكومة التي لا تمتلك أدوات التغيير لا تمتلك إمكانية البقاء.
قضية شائكة..
لا ينظرها القضاء!
هاجمت القائلين بـ «حجة تدويل قضية البدون انها تآمر على الكويت».. ماذا قصدت؟
المواطن هو من له وضعية قانونية في دولة ما عن طريق حمله لجنسية هذا البلد، وهذه الجنسية هي اليوم وتقريبا في كل دول العالم المفتاح السحري لمجمل أو معظم الحقوق فيه. ولقد سارعت الكويت منذ بداية نشأة الدولة لوضع قانون الجنسية لتحديد من هو المواطن متبعة لنفس التقليد الذي جرت عليه الدول الغربية. ولكن وفي الوقت الذي تنطلق فيه الدول الغربية الحديثة من نظرية الحقوق الطبيعية وهي النظرية التي توجت في النهاية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أي أن لكل إنسان حقوقا طبيعية بمقتضى إنسانيته، وهو الإعلان الذي وقعته دولة الكويت، وجدنا في الكويت فئة غير محددي الجنسية أو ما اصطلح على تسميتهم «البدون» وهي تلك الفئة المستضعفة التي تعمدت الدولة أن تمنع عنها معظم الحقوق الإنسانية التي ورد ذكرها في الميثاق العالمي والتي قد وقعت الدولة عليها.
هذا الأمر هو ما يدعو للشك والريبة في دعوى السلطة بالحفاظ على حقوق المواطنة في الكويت؛ فالسلطة التي قد وقعت ميثاقا عالميا على حقوق الإنسان لتضمن دخولها ضمن مصاف الدول الحديثة، هي نفسها التي تمنع وتحجب الحقوق عن المقيمين بأرضها، بل وتحتكر هذا الحق، تذكري أن موضوعات الجنسية في الكويت لا ينظرها القضاء.
إن استمرار هذه القضية كل يوم، وهو الأمر الذي يعني انتهاك الحقوق فعليا وانتزاع إنسانية الإنسان كل يوم بل وتحويله لمجرد «شيء» يخضع للقانون ويحاسب حسابا عسيرا إذا اخترقه ولكنه لا يتمتع بحمايته، إنه أمر يستدعي الوقوف بخجل في قضية قاضيها الوحيد هو «الضمير الإنساني». لجوء البعض لتدويل هذه القضية لا يعني على الإطلاق خيانة للكويت بقدر ما هو تصحيح لمسار قد رسمته الكويت لنفسها منذ البداية ولكنها قد حادت عنه على يد بعض العنصريين قصيري النظر.
الفقدان والعنف.. متلازمان
ما رأيك بالأحداث الأخيرة من مظاهرات واعتصامات للبدون، واتهام البعض لهم بممارسة العنف؟
معظم من كتب حول العنف رأى بأن العنف نتيجة « قد» تفضي إليها عملية فقدان الحقوق. فالبدون الفاقد للحقوق من الممكن أن يقوم بممارسة العنف كي يسترد حقوقه، والخطأ في هذا الفهم هو أن عملية فقدان الحقوق، من قبل فرد أو فئة أو شعب بأسره، هي عملية «متلازمة» مع العنف؛ ففي اللحظة التي يكف القانون فيها عن ضمان حقوقك وحمايتك وحماية أسرتك وممتلكاتك الفردية يفقد فيها هذا القانون مصداقيته وقيمته، الأمر الذي يعني عودة العنف ومنطق القوة إلى الطاولة كوسيلة جائزة للحصول على الحقوق.
إنك إذا ما منعت عن أحدهم حقه في العمل الشريف والتعليم والتنقل...الخ فستصل وبسهولة إلا أن العنف سيصبح إحدى القيم الأساسية في عقليته. إن المجتمع من منظوره قد استحال من جماعة يتحد بهم من أجل الحماية المشتركة تجاه أي عدوان خارجي إلى سلطة فاعلة تمارس العنف تجاهه ولن يستطيع هذا الشخص في نهاية الأمر أن يقاوم هذا العنف إلا إذا كان أشد عنفاً منه. وفي المجتمع الذي يصر على عدم قبول شخص ما كعضو فيه بل ويصر كذلك على منعه حقوقه يصبح العنف ومنطقة القوة الأسلوب الوحيد لانتزاع الحقوق وفرض الآراء.
إن هذا التعصب الذي تمارسه الحكومة وبعض فئات المجتمع، وللأسف بعض مفكريه، في منع هذا الإنسان حقوقه الإنسانية هو مولد لعنف في جهة مقابلة، ولن يخرجنا من هذه الدائرة المظلمة سوى سيادة روح التسامح في المجتمع عن طريق سيادة القانون والارتكان له في ما يتعلق بكل اختلافاتنا.
تعليقات
إرسال تعليق