التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ريم الميع: رصدتُ أحوال السجناء من ثقوب المعتقل!


تاريخ الخبر : 24/08/2013 10:26اّخر تحديث : 24/08/2013 10:26
ريم الميع  (مجدي عبدالعزيز)
ريم الميع (مجدي عبدالعزيز)
ذاكرة تعود إلى 11 عاماً دونتها في «كويتية في غوانتانامو»

ريم الميع: رصدتُ أحوال السجناء من ثقوب المعتقل!

أفراح الهندال

لم تكن الـ 11 عاما التي مرت على تجربة الصحافية والكاتبة ريم الميع لتنسيها زيارتها إلى المعتقل الأميركي الأشهر في العالم «غوانتانامو»، الواقع في كوبا عام 2002، كان لابد من أن تستفز الذاكرة وتفتح جرحا، لتصدر كتابها «كويتية في غوانتانامو» عن دار مدارك للنشر، الذي ينقل في 176 صفحة تقريبا أثر ثلاثة أيام قضتها هناك، هو الكتاب الذي أرادت من خلاله أن تنسف المقولة التي قرأتها وهي في طريق الذهاب: «المكان الأكثر رداءة ليعيش فيه الإنسان، على الأوراق»، لتدون فوقها: «لم يكتبها المعتقلون بل.. الأحرار».
«الكويتية» حاورتها عن الفترة التي تبعت لحظات توديعها لـ «أصوات الجميع».. عن السفر على الطريقة العسكرية.. وعن الفكرة التي طوت بها الرحلة..
• رحلتك إلى سجن «غوانتانامو» كانت قبل 11 عاما.. فما الذي دفعك إلى الكتابة اليوم؟
هناك مقولة لماركيز بأن الإنسان عندما يكون في قلب المسيرة يصعب عليه كتابة سيرته، وهذا الكتاب لا أزعم أنني أكتب فيه سيرة لمسيرة، بل بالكاد يعتبر مشاهدات ويوميات لتجربة متواضعة لم تتعد العشر سنوات، يروي تفاصيل 3 ليالٍ في المعتقل الأشهر في العالم «غوانتانامو»، كان علي ان أتروى قليلا، أفكر وأحلل وأقرر إن كان ثمة ما يستحق أن يوثق أم يتم الاكتفاء بما نشر في تلك الفترة المصاحبة للرحلة، إذ كان الطابع الخبري يغلب على توثيق التجربة، وتم تقديمها في حلقات متسلسلة كتحقيق صحافي مصور لجريدة «الراي»، الآن وقد هدأت الأخبار، وجدت أن توثيق الرحلة في إطار التجربة لا الخبر، ونأمل أن نستمع إلى خبر سعيد بأن يكون هذا المعتقل في طريقه إلى الإغلاق.
• وهل يعد الكتاب إعادة نشر للتحقيق الصحافي؟
اكرر هنا أن الكتاب مختلف تماماً عما نشر، وعلى سبيل المثال الموضوع صحافيا احتوى على عشرات الصور، في حين أن الكتاب لا يحتوي على أي صورة، لأن الصور في الموضوع من تصويري الشخصي، لصعوبة الحصول على ترخيص لاصطحاب مصور، وتصويري الشخصي يكاد يكون رديئا جدا، ولكن في تلك الفترة تم التغاضي عنه لضرورة الخبر، أما الآن وقد انتشرت الصور الاحترافية للمعتقل؛ أصبح لا قيمة للصور التي التقطتها في تلك الفترة.
الكتابة انفتاح جرح
• يقول كافكا: «الكتابة انفتاح جرح ما»، كيف تجاوزت معاناة التذكر والكتابة؟
- أصبت فعلا وكأنك تعيدين فتح الجرح، فعلاً كانت معانة والكتابة معاناة على وجه العموم، فالكتابة تولد من رحم المعاناة، عدت نفسيا إلى زمن الكتاب، كان من المهم جدا نقل تفاصيله خارج إطارها التقريرية الصحافية واقتراب أكثر من أثرها في نفسي كإنسانة، ما حملته ذاكرتي لما يتجاوز 11 عاما لم يكن أمرا بسيطا ولا هينا ولا عابرا، بل كان التجربة الأهم في حياتي.
وحاولت أن أتجاوز ما تخزن في الذاكرة من ألم وصدمة، وأتمنى أن أكون اقتربت من وصف نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الأسبق الشيخ محمد صباح السالم للكتاب في مقدمته، حين قال «تم استخدام أسلوب لغوي خفيف الدم لمعالجة موضوع ثقيل الهم».
• ما أسباب تلك المهمة؟
- كنا لسنوات نتندر بمقولة: افتح راديو مونت كارلو لنستمع إلى نشرة أخبارنا العربية، لذلك ذهبت لأجعل القارئ الكويتي يقرأ أخباره في صحيفة كويتية بقلم صحافية كويتية، كانت مهمة لنقل صورة واقعية «قدر الإمكان» للرأي العام المحلي والعربي عن ظروف وأحوال اعتقال هؤلاء الأسرى المتهمين بالإرهاب، وحاولت قدر المستطاع الاقتراب من أماكن الاعتقال لرصد المعتقلين ولو من خلف ثقوب السياج المعدني المطوق.
• وما الإجراءات الأولى بعد تلقي الموافقة على زيارة السجن؟
- بعد نجاحي في إقناع المسؤولين هناك بتلك الزيارة عبر الطرق القانونية، تم إبلاغ وحدة الإعلام الأجنبي في الخارجية الأميركية مباشرة عندما كانت في زيارة للولايات المتحدة، التي بدورها نقلت الطلب للمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية، حيث جاءت الموافقة بعد نحو فترة تتراوح بين عشرة أيام وثلاثة أسابيع أثناء الرحلة، وكانت الإجراءات الأمنية مشددة، فعمليات التفتيش في بعض الأحيان تستمر لساعتين وأكثر، وتتنوع بين تفتيش ذاتي وتفتيش أمتعة.
تناقضات العالم
• من هي الشخصيات المستهدفة التي تتمنين لو أنها تقرأ الكتاب بشكل خاص؟
- أستذكر موقفا طريفا يحدث معي دائما، كلما أمسكت بكتاب في أي مكان عام يوجد فيه الناس كالمطار أو المستشفى؛ كنت أرى علامات استنكار واستغراب وتساؤل، فالقراءة سلوك نادر في عصر التكنولوجيا الحديثة والإنترنت، والناس لم يعودوا يتجاوزون في قراءاتهم 140 حرفا، بينما الكتاب تجاوز الـ 140 صفحة، ولك أن تقارني وقعها على هؤلاء! صعب جدا أن يكملوه، طوال الكتابة كنت مهتمة بالفئة التي لا تقرأ وهي الفئة الأهم بالنسبة إلي، أما الفئة القارئة فهي تحملني مسؤولية مضاعفة خشية أن أقع في فخ المقارنة مع كتب أضخم وأهم.
• وما الرسالة التي تودين أن يلتقطونها بشكل أساسي؟
- أتمنى لو يدركون أن الإنسان قد يتعرض لتجربة السجن، وهي تجربة صعبة، ولكن الأصعب أن يخلق الإنسان لنفسه سجنا، فالسجن الإرادي أخطر بكثير من السجن اللاإرادي، فالسجن اللاإرادي نتيجة خطأ ارتكبه في حق المجتمع، أما السجن الإرادي الذي يسعى له الشخص بكامل إرادته، فهو خطيئته في حق نفسه.
• ذكرتِ في أحد حواراتك أهمية المقارنة بين أكبر ديمقراطيات العالم وملاحظة تعامل دول العالم الثالث مع أي حدث، ما أبرز تلك الملاحظات؟
- الرحلة كانت تسلط الضوء على تناقضات هذا العالم، حيث يطالب بالحرية من لا يطبقها، وينتقد عدم تطبيق المطالب بالحرية من لا يطبقها أيضا، وقد تكون ديمقراطية ناشئة في مجتمع قبلي تتفوق على ديمقراطية عريقة في مجتمع مدني، فالعبرة بالممارسة نوعا وليس عمرا!
تقييد الأجنحة
• ما أبرز المشاهد التي لم تنسيها من الرحلة؟
- يعبر الكتاب بمواقفه وذكرياته وتدويناتي من صفحته الأولى إلى آخره عما لم أنسه ولا يمكن أن أنساه وربما يكون غلاف الكتاب وهو من تصميم الفنان الجرافيكي المبدع محمد شرف هو تميمته: عصافير حرّة وبشر مقيدون، والمفارقة الأخرى مطلع الكتاب المستوحى من مقولة للكاتب المبدع محمد الرطيان بأن العصافير حين تسلب أجنحتها تنسى أن لديها أجنحة، لذا فإن هذه التجربة الأولى في عالم الإصدار بمنزلة جناح قد يكون مقيدا وقد يطير بحرية في أجواء المجتمع.
وأود أن أشير هنا الى هذا الكتاب المتواضع لكاتبته المتواضعة والتي ليست سوى صحافية وثقت تجربة محدودة في محاولة لتقديم جديد حظي بكتابة افتتاحية جريدة يومية هي «الراي»، وهي لفتة كريمة ليست مستغربة من الناشر جاسم بودي، الذي لولا دعمه اللامحدود كوالد لا كمالك صحيفة لما حصلت الزيارة، وهي المرة الأولى على ما أعتقد أن تكتب جريدة كويتية عن صحافية لديها أو عن كتاب صدر حديثاً، ما يجعلني أرتجف وأنا أدعو: يا رب أستاهل.. يا رب أستاهل.
• ماذا عن رصد ممارسات التعذيب أو معدلها في المعتقل؟
- لم أطلع على التعذيب بمعنى «التعذيب»، كنت أستقي المعلومات من المصدر الرسمي (السجان)، فلا سجان يعترف بأدواته وأسلوبه، ولكن على سبيل المثال، أن يتم نقل المعتقل من موقع إلى آخر مجردا من حواسه الخمس، فهذا بحد ذاته تعدٍ على إنسانيته، أن تتم مرافقة المعتقل إلى دورة المياه محاطا بثلاثة جنود وكلب حراسة، فهذا فيه انتهاك كبير لآدميته، أن يسمح له بالاستحمام وفق جدول معين وساعات معينة لمرة واحدة بالأسبوع فقط وأن تكون عملية الاستحمام بالأصفاد.. أن يفاوض المعتقل على حلق لحيته أو إطلاقها، فهذا تعدٍ على إرادته، أن يساوم المعتقل على تقديم الشاي مع الوجبات الثلاث من عدمه، انتهاك كبير لإرادته، ويكفي أن يكون الأكل بالإكراه أيضا، أعتقد أن هذا أكثر من تعذيب!
مستقبل غوانتانامو
• ما تصورك لمستقبل هذا السجن؟
- تصوري أنه سيغلق لتقادم المعلومات الموجودة لدى المعتقلين ان كانوا يستخدمونهم لمصادر لاستقاء المعلومات، كما استنتجت ولأنهم ناس عزلوا 11 سنة فلا معلومات لها قيمة في قضاياهم، وتكلفة سجنهم تثقل كاهل الموازنة الأميركية من دون مردود، ومع بداية تسليم معظمهم أعتقد أن الأقربين أولى بالسجن! أي ان يتم تسليمهم لدولهم ليسجنوا فيها في حال ثبوت تهم عليهم، مشكلة المعتقل أنه خارج جغرافية القانون، ينتمي إلى بلد ويقع في بلد ليس بينهما علاقات دبلوماسية، الموضوع مترابط ومعقد ولا مجال لتفكيكه.
• ألم تفكري بالانضمام إلى أي من تحركات الناشطين المطالبين بإغلاق السجن وإطلاق السجناء؟
- في الكويت - مع الأسف - جمعيات مقفلة على أعضائها، لدينا أزمة الصراع حول «الرئاسة»، فموضوع الانضمام إليها يشبه زرع نبتة خارج بيئتها، ولا علم لي أصلا بوجود ناشطين في هذا المجال، في حين أن الناشطين من ضمن المهام التي تقع عليهم التواصل، ومنذ عدت من تلك الرحلة، لم أجد أي استفسار أو تواصل منهم، ومع ذلك بادرت فور عودتي بالاتصال بجمعية أهالي المعتقلين مرارا وتكرارا، وكنت دائما أحاول أن أوصل صوتهم من خلال مهمتي الصحافية دون النظر إلى دور لي في هذا التنظيم، وتم التواصل مجددا معهم قبل كتابة الكتاب.
• ما الذي فكرت به لحظة خروجك من الجزيرة عائدة؟
- فكرت لو أني - لا سمح الله - لم أعد؛ هل يمكنني تحمل هذا الوضع، لو كنت مكانهم إلى أي مدى سأحتمل النفي والعزلة والقهر الإنساني..؟!

http://www.alkuwaityah.com/ArticleDetail.aspx?id=5708

تعليقات

المشاركات الشائعة