المواطنة.. بين تصور الدولة المدنية الحديثة وصراع الفضاء الخاص

المواطنة.. بين تصور الدولة المدنية الحديثة وصراع الفضاء الخاص

الخميس 8 ديسمبر 2011 الأنباء
Share on Facebook Tweet on Twitter Share on Google+ Share on Blogger Send by Outlook Send by GMail Share on LinkedIn Print Articleأضـف تعليقكأضـف تعليقكDecrease Text Size Increase Text Size :حجم الخط
 
المواطنة بين تصور الدولة المدنية الحديثة وصراع الفضاء الخاص
أعضاء المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة خلال حديثهم للزميل محمد الخالدي في ديوانية «الأنباء» (هاني الشمري)
د.محمد الوهيب
د.محمد الوهيب
د.عبدالحميد الصراف
د.عبدالحميد الصراف
د.حنان الخلف
د.حنان الخلف
د. فارس الوقيان
د. فارس الوقيان
أفراح الهندال
أفراح الهندال
  • د.الوهيب: سوء فهم المواطنة السليمة سبب رئيسي لمعظم الصراعات الاجتماعية في عالمنا العربي
  • د.الصراف: الأمور في الكويت تسير باتجاه خطر وإذا لم تبادر الدولة بترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة فالخسارة ستعم الجميع
  • د.الخلف: تجربة الكويت لم تنضج بعد ولايزال المواطن يخلط بين فضائه الخاص والشأن العام
  • د.الوقيان: الدولة تدعم المعنى السطحي للمواطنة وتدفع الملايين لرفع أعلام وأغانٍ وتتجاهل الحقوق والواجبات
  • الهندال: الحكومة التي أقرت برامج توعية وترسيخ مفهوم المواطنة هي ذاتها تضرب الوحدة الوطنية
أجرى اللقاء: محمد هلال الخالدي
twitter@bodalal2
قد يبدو للوهلة الاولى ان كلمة «المواطنة» مألوفة جدا ولا تحتاج الى توضيح، اليست المواطنة هي الانتماء لوطن؟ لكن ما معنى الانتماء هنا، وكيف يمكن التوفيق بين انتماء الشخص لعائلة او قبيلة او مذهب ديني او تيار سياسي معين، وبين متطلبات الدولة وعلاقة الفرد بالآخر؟ وماذا عن عديمي الجنسية، وما هي علاقة المواطنة بالديموقراطية وهل تعاني الكويت من مشكلة مواطنة؟ هذه الاسئلة وغيرها كانت موضوع نقاش اجرته «الأنباء» مع نخبة من المفكرين والمتخصصين في هذا المجال، الذين استشعروا اهمية هذا المبحث الغائب او المغيب عن دائرة اهتمام السلطة، فأسسوا مركزا خاصا يعنى بالمواطنة هو المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة، والذي يعد الاول من نوعه على مستوى المنطقة بأسرها، وأسهموا في ملء فراغ كبير في هذا المجال من خلال ما انجزوه من مؤتمرات ودراسات في غاية الاهمية حول مفهوم المواطنة الحديثة وتحدياتها ووسائل تعزيزها في المجتمعات العربية. قديما كان اليونان يعتبرون «المواطن» هو فقط الرجل الاثيني الحر، فاستبعدوا بهذا التحديد شرائح كثيرة من المجتمع، كان هذا منذ القرن الخامس قبل الميلاد، فماذا عن الكويت، هل لدينا مشكلة مواطنة وثنائية الفضاء الخاص والفضاء العام، وما هو دور مؤسسات الدولة في تعزيز وترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة والحقوق والواجبات؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه في هذا اللقاء:
أولا، لماذا المركز الكويتي للمواطنة الآن، هل لدينا مشكلة مواطنة في الكويت؟
٭ د.محمد الوهيب: المواطنة قضية حقوقية كبيرة ومهمة، تقوم على اساس المواثيق والمعاهدات الدولية التي اقرتها المنظمات الدولية، وهي اساس تكوين واستقرار المجتمعات الحديثة، والمواطنة مفهوم معقد ويستند الى عدة فلسفات، وسوء فهم المواطنة هو السبب الرئيسي لمعظم ان لم يكن كل الصراعات والخلافات بين البشر في كثير من الدول، خاصة في عالمنا العربي حيث تشكل الصراعات الاثنية احد اكبر التحديات السياسية والاجتماعية فيها، وبالتالي وجود مركز متخصص بالمواطنة ليس من قبيل الترف الفكري وانما هو حاجة ضرورية تفرضها متطلبات الواقع بما فيه من مشكلات اجتماعية ناتجة اساسا عن خلل واضح في مفهوم المواطنة، ونحن عندما نتحدث عن المواطنة فاننا نتحدث عن حقوق انسانية التزمت الكويت بها من خلال توقيعها على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، ولا شك ان الاحداث السياسية التي مرت بها الكويت خلال السنوات القليلة الماضية قد كشفت بوضوح حجم الخلل الذي نقصده، اذ تبين ان هناك من لا يفهم وربما لا يريد ان يفهم ان التنوع في مكونات المجتمع ما بين سنة وشيعة، حضر وبدو، هو تنوع ايجابي يمكن استثماره ليكون مصدر قوة وبناء وليس عامل هدم وتمزيق وصراع، وهذه هي المهمة التي نحاول ان نقوم بها في المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة، وأعني محاولة اعادة تشكيل مفهوم المواطنة الفاعلة على اسس مدنية سليمة.
الفضاء الخاص والعام
الكويت لها تاريخ طويل من الممارسة السياسية الديموقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، ومع هذا لاتزال لدينا مشكلة في المواطنة، كيف ذلك؟
٭ د.حنان الخلف: تجربة الكويت السياسية مهمة وفريدة من نوعها في المنطقة، لكنها لاتزال في مرحلة التطور ولم تنضج بعد، والمواطن لايزال يخلط بين فضائه الخاص والفضاء العام، المجتمع الكويتي يتكون من عدة اطياف، وهذا ليس عيبا على الاطلاق، كما انه يفترض ان نعي بأنه لا يوجد مجتمع حديث يعود كل سكانه لأصل واحد او ينتمون كلهم لدين واحد او مذهب واحد، المهم ان يميز الجميع بوضوح بين الفضاء الخاص، اي العناصر الثقافية الخاصة للفرد مثل الاصل والنسب والاعتقادات والتفضيلات الشخصية، وبين الفضاء العام اي الحياة السياسية او النشاط العام، لا مشكلة في ان يعتز الانسان باصله وانتمائه لقبيلته او عائلته او مذهبه الديني على الاطلاق، ولا ينبغي لاحد ان ينكر عليه اعتزازه بفضائه الخاص، لكن ايضا لا يجوز ان يصبح اعتزاز شخص ما بهويته الخاصة مصدر قلق وصراع اجتماعي، وهذا ما يحدث بالتحديد حين يتجاوز الانسان حدوده ويحاول فرض عالمه الخاص على الآخرين، والمواطنة السليمة ما هي الا ضمانات لحصول الانسان، كل انسان على حقوقه كاملة دون التجاوز على حقوق الآخرين، اي تصبح الحقوق مرتبطة بالشخص كمواطن وليس لانه ابن فلان او ينتمي لهذا التيار او تلك العائلة او القبيلة، باختصار، المواطنة السليمة تعني العدالة والمساواة على اسس مدنية بين جميع المواطنين تحددها قوانين واضحة وممارسة وطنية فاعلة.
كيف يمكن التوفيق بين الهوية الثقافية للافراد والحياة العامة؟
٭ د.عبدالحميد الصراف: المواطنة سلوك حضاري متمدن يتجلى في ممارسات على مستوى القيم، والانسان يجب ان يكون موضوعيا ومتوازنا ولا يفكر بأنانية بطائفته او قبيلته او عائلته وكأنها فوق الوطن، لابد ان يتعايش الجميع سلميا مع الآخرين وأن يكون ولاؤنا جميعا للوطن، وهذا لن يخل بانتماءاتنا الخاصة، ومن يتأمل الواقع السياسي في الكويت فسيلاحظ بوضوح حجم الخلل والمشكلة الكبيرة التي سببها الرئيسي ما اسميه بالانتهازية السياسية، حيث تبرز الانانية ويتصدر الخطاب الفئوي ويتخندق كل طرف في جهة ويحاول ان يضرب بقية فئات المجتمع، والحقيقة ان التاريخ يعلمنا ان مثل هذه الممارسات الفئوية لم تنجح على الاطلاق في اي مكان وفي اي زمان، فكل الشعوب التي لم تحترم بعضها وتحترم حق كل شخص في اختيار وممارسة خصوصياته دون التعدي على خصوصيات الآخرين قد عانت من الصراع الاثني بكل اشكاله الدينية والاجتماعية.
إدارة التوازن
نعرف ان هناك خلافا كبيرا على مفهوم المواطنة وعدم اتفاق بين الجميع، فما هو المفهوم الاكثر واقعية الذي تدعمونه في المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة؟
٭ د.فارس الوقيان: مفهوم المواطنة مر بعدة مراحل تاريخية منذ الحضارة اليونانية القديمة في اثينا مرورا بالامبراطورية الرومانية ثم العصور الوسطى ثم الثورة الصناعية والى يومنا هذا، على سبيل المثال في اثينا «المواطن» صفة كانت تطلق على الرجل الحر الذي يمارس دورا في الحياة العامة، فاستبعد من هذا المفهوم المرأة والطفل والعبيد والاجانب، ومع الامبراطورية الرومانية دخل تحديد جديد على مفهوم المواطنة وهو التحديد القانوني، فأصبح المواطن هو كل شخص يعيش تحت مظلة الامبراطورية الرومانية، وفي العصور الوسطى وبسبب هيمنة الكنيسة الكاثوليكية تداخل مفهوم المواطنة بين ما هو ديني وما هو مدني، واستمر هذا الصراع الى ان جاءت الثورة الفرنسية عام 1789 وانتصرت لمفهوم المواطنة المدنية وأرست دعائم هذا المفهوم القانوني بنصوص دستورية واضحة، المواطنة وحتى وقت قريب جدا كانت ترتبط بحصول الفرد على جنسية الدولة التي يقيم فيها، بما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات، ولكن المعنى الحديث جدا بحسب آخر الدراسات تعني بدقة ادارة التعددية الدينية والاثنية داخل الدولة، فبعد الاعتراف بالتعددية المذهبية والعرقية وغيرها اصبح معنى المواطنة في اعمق معانيها وأكثرها عقلانية هو ادارة التوازن بين هذه التعدديات وهذا التنوع.
وهل تعتقد ان لدينا وعيا بهذا المفهوم الحديث للمواطنة في الكويت؟
٭ د.فارس الوقيان: العملية السياسية في اي مجتمع تطير بجناحين، الجناح السياسي المتمثل في العملية الانتخابية بكل ما فيها من تفاصيل وممارسة برلمانية، والجناح الاجتماعي الذي يتعلق بمفهوم المواطنة، وهنا تكمن المشكلة تحديدا لدينا في الكويت، اذ ان معظم الجهود الاصلاحية ـ ان وجدت ـ ومعظم الاهتمام والحديث ينصب على الجانب السياسي فقط، ولا يوجد جهد حقيقي وفاعل لتصحيح مسار الجناح الاجتماعي وبناء مواطنة فاعلة سواء من خلال تذويب الفوارق الاجتماعية او اعتماد الكفاءة والمساواة بين كل افراد المجتمع وتعزيز الولاء للوطن قبل الفئة وغيرها، وهذا يفسر لماذا ديموقراطيتنا عرجاء.
هذا يجرنا لسؤال حول علاقة المواطنة بالديموقراطية، والى اي مدى تعزز الممارسة الديموقراطية مفهوم المواطنة؟
٭ د.محمد الوهيب: لا شك ان الممارسة السياسية السليمة تعني في اوسع معانيها تعزيز المواطنة وقيم العدالة والمساواة واحترام التعددية وحقوق الآخرين، وربما يكون هذا السؤال مدخلا للحديث عما اعتبره فشلا ذريعا في ممارستنا الديموقراطية هنا في الكويت، فبالاضافة الى ما تطرق اليه د.فارس الوقيان حول عدم وجود اي جهود حقيقية لتعزيز الجناح الاجتماعي (المواطنة)، اعتقد ان هناك فشلا وقصورا ايضا حتى في الجناح السياسي للديموقراطية في الكويت، فالطريقة التي يتم فيها بحث موضوع تقسيم الدوائر هي طريقة فئوية، واختيار اعضاء الحكومة يتم بصورة فئوية - المحاصصة - التي ترسخ الخلافات ولا تبني مواطنة صحيحة، كذلك الامر في التعيينات والفرص الوظيفية والدراسية التي تتم كلها بصورة عنصرية بغيضة، تنتهك فيها كل القوانين والقيم من اجل ترضيات وتحالفات مع السلطة، هي ليست بحاجة اليها اصلا نظرا لوجود توافق اجتماعي من كل اهل الكويت على الحكم.
٭ د.عبدالحميد الصراف: اذا اردنا الاصلاح فعلا فعلينا ان نشخص الحالة جيدا ونعترف بأخطائنا، الديموقراطية في الكويت مليئة بالاخطاء والممارسات الفئوية، سواء في عملية الانتخابات وما يشوبها من خلل وتجاوزات او من خلال عملية التشريع والرقابة وأداء الحكومة، الديموقراطية في الكويت في الحقيقة لم تكن يوما ممارسة تعزز التضامن الاجتماعي وتذيب الفوارق الاجتماعية وتقوي الوحدة الوطنية، وانما كانت دائما وسيلة الحكومة ومن يتحالف معها من اجل المصالح الشخصية والاستيلاء على اكبر قدر من المال العام على حساب المجتمع والدولة.
تصوران للمواطنة
كيف يمكن وبخطوات عملية تعزيز وترسيخ مفهوم المواطنة الذي تدعون له في المركز الكويتي للمواطنة؟
٭ د.فارس الوقيان: اولا يجب ان نعرف ان هناك تصورين كبيرين لمفهوم المواطنة الحديثة، التصور الاول يقوم على الاقرار بالتعددية والتنوع الموجود في المجتمع، وهو ما نجده في الحضارة الانجلوسكسونية، والمواطنة هنا تصبح فن ادارة هذا التنوع والتعددية بطريقة متوازنة بحيث تقف السلطة من جميع فئات المجتمع بكل اختلافاتهم بمسافة واحدة، وهذا ما نجده في سويسرا مثلا، حيث تقر الدولة بالتعددية الثقافية للشعب السويسري وتحترم المكونات الثقافية لكل فئة كاللغة وغيرها دون النظر لعدد اتباع هذه الفئة او تلك وبغض النظر عن قوة هذه الكتلة او تلك، اما التصور الثاني للمواطنة فهو ما نجده بوضوح في الحضارة الفرانكفونية وعلى رأسها فرنسا والذي يسمى بالمواطنة الموحدة، فهنا لا يوجد وسيط بين المواطن والسلطة لا مؤسسة ولا اشخاص، لا يحتاج المواطن هنا الى ان ينتمي الى جماعة معينة او حزب ما او مذهب ديني معين لكي يحصل على حقوقه.
المواطنة التعددية
وأنتم في المركز الكويتي للمواطنة اي التصورين تدعمون وتعتقدون انه يناسب المجتمع الكويتي؟
٭ د.حنان الخلف: المجتمع الكويتي صغير والفوارق الموجودة بين افراده محدودة ولا تشكل خطرا طالما تم احتواؤها بعقلانية، ولذلك نحن في المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة ندعم نموذج المواطنة الموحدة الذي يسعى الى التمييز بوضوح بين الفضاء الخاص والفضاء العام، بين خصوصيات كل شخص والشأن العام، فنحن نرى ان افضل تصور يمكن تطبيقه للمواطنة هو الذي يلغي الفوارق ويصهر المجتمع في بوتقة وطنية واحدة، دون ان يلغي او يتعدى على حقوق الافراد بعالمهم الخاص، فالمواطنة الموحدة تعني ان يكون الولاء للكويت فوق كل اعتبار آخر مذهبي او قبلي او عائلي، من حق كل شخص ان يفخر بأصله ونسبه ومذهبه الديني، لكن لا يجوز تأسيس عمل سياسي وشأن عام على هذه الفروقات.
وأين نحن اليوم من كل هذا، وكيف ترون الحراك السياسي الشبابي الذي يسعى جاهدا لفرض وجهة نظره؟
٭ أفراح الهندال: نحت كلمة مواطنة من كلمة الوطن امر جديد في ثقافتنا، كنا نستخدم مفهوم الوطنية لكن الحراك الشعبي فطن لهذا المصطلح وما يحمله من ابعاد عميقة، وهذا تطور كبير في الوعي السياسي لان ذلك يعني ان الحالة تطورت من شعور بالانتماء للوطن في مفهوم الوطنية الى مسألة الحقوق والواجبات التي تترتب على مفهوم المواطنة، وفي موازاة الحراك الشعبي الواعي نجد جهودا عملية من قبل الدولة، فوزارة التربية وضعت في مناهجها موضوع المواطنة، هيئة الشباب والرياضة ايضا لديها برامج توعوية وأنشطة عديدة كلها تعزز الروابط الاجتماعية وتذيب الفوارق وتؤكد على اصالة المجتمع الكويتي وتاريخه المليء بالنماذج المشرقة، اعتقد اننا بحاجة الى تجاوز المصطلح من المفهوم الى الممارسة الفعلية، والشباب قوة هائلة لا يستهان بها، والشباب الكويتي تحديدا لديه حب وتعطش للعمل السياسي والمشاركة في الشأن العام، ولديهم اطلاع واسع وثقافة كبيرة، ونحن نعيش اليوم في عصر جديد فاذا لم يتم احتواء طاقات الشباب وتوجيهها بصورة سليمة نحو تعزيز الوحدة والتضامن الاجتماعي، فان الاصوات الفئوية هي التي ستتلقف هؤلاء الشباب وتستغلهم، واذا لم تقم الدولة باحتواء شبابها فسيأتي من يملأ هذا الفراغ بغير صالح الوطن.
هل ترون ان النزول للشارع هو استغلال لقوى الشباب من قبل بعض السياسيين ام انها حركة شعبية واعية لاستعادة الدور الشعبي وتأسيس فهم جديد للمواطنة؟
٭ د.عبدالحميد الصراف: بالنسبة لي انا لست متفائلا، الوضع خطير ولم يعد بالامكان فهم ما يجري، لم نعد نعرف من يقود من، وما هي مشاريعهم ولماذا يحدث كل هذا؟ اتصور اننا نعيش حالة من الفوضى ولابد ان ننتبه جميعا لخطورة الوضع، فالعالم يغلي وهناك من يتربص بنا ومن السهل الانزلاق الى الهاوية، وأنا اوجه خطابي للمجتمع بكل اطيافه السياسية والدينية والاجتماعية، فالخطر على الجميع، الخطر على الكويت نفسها، ونحن لم نعد قادرين على الاعتماد على الحكومة لانها فشلت فشلا ذريعا وبصورة متكررة في بناء نموذج دولة يحوي كل ابناء الوطن ويعاملهم بمساواة واحترام، يبقى الحل في وجود نخب وطنية مثقفة ومستقلة عن التحزبات الضيقة هي التي توجه الشباب وتعطيه الرؤية الواضحة لما ينبغي ان يكون عليه مستقبل الكويت، اليوم نحن نعول على هذه النخب الوطنية الواعية والتي لم تتلطخ اياديها بالفساد وألاعيب السياسيين في الحكومة والمجلس.
الدولة المدنية
شخصتم الوضع بدقة، ووضعتم ايديكم على المشكلة، لكن ما هو الحل؟
٭ د.فارس الوقيان: الحل يكون بتأسيس دولة مدنية، كل الخطط والتشريعات والاستراتيجيات يفترض ان تصب باتجاه خلق فضاء سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي مدني صرف، الحكومة ترتكب اخطاء كبرى بقيامها باحتواء فئة دون اخرى وعدم الوقوف بمسافة واحدة من كل مكونات المجتمع، الحكومة كانت تمارس هذه السياسة الفئوية بحيث تدعم كتلا سياسية وايديولوجية وفئوية على حساب بقية المجتمع، لن يستقر الحال في الكويت في ظل وجود صراعات بين مكونات المجتمع ومحاولة كل فئة التفوق والاستحواذ على كل مقدرات الدولة واقصاء بقية افراء المجتمع، لابد ان يعي الجميع اننا اما ان نتعامل بعدالة ومساواة وبتقبل لبعضنا البعض واحترام خصوصيات كل فئة دون السماح لها بالتأثير على الشأن العام، والا فلن يعرف المجتمع الاستقرار بسبب استمرار حالة الصراع التي انهكت الدولة وأوقفت مسيرة البناء، ينبغي ان تقوم علاقات الكويتيين فيما بينهم على اساس مهني وليس على معايير اثنية طائفية وعائلية وقبلية ومناطقية، كما لا توجد ديموقراطية بدون احزاب حقيقية، لكن علينا الحذر من خطورة تحول التنوع والتعدد الموجود وانتقاله الى الاحزاب، فالاحزاب يجب ان تكون مدنية تماما لا تقوم على اي فئوية، وأن تعرف مصادر تمويلها ويكون لديها مشروع دولة واضح.
البعض يتخوف من مظاهر الطائفية التي ازدادت في الآونة الاخيرة، هل تعتقدون أن الكويت مقبلة على صراع طائفي؟
٭ د.حنان الخلف: مع الاسف الشديد ارى الكثير من مظاهر الصراع الطائفي ومحاولات النبذ والاقصاء والخطاب المتشدد، وهناك تخوف من الكثيرين حيث ان الحراك السياسي لا يسير باتجاه مفهوم المواطنة الذي نريده، فنحن نريد من المواطن ان يختار على اساس مدني صرف الاكثر كفاءة من بين المرشحين، وكلنا رأينا كيف كانت الآثار المدمرة لسوء اختيار نواب على اسس اجتماعية بدلا من معايير الكفاءة، الامور لا تسير بشكل جيد، لكن المجتمع الكويتي مسالم بطبيعته، وما نشهده من توتر بين بعض المتشددين هنا او هناك مرده منطق الخوف من الآخر، حيث يعتقد كل طرف ان الآخر سينفيه ويقضي عليه لو تمكن، ولذلك نحن ننادي بالدولة المدنية التي تميز بوضوح بين الهوية المدنية للمواطن من حيث الحقوق والواجبات، وبين الهوية الثقافية التي يجب الا تطغى على الشأن العام، وهذا من شأنه ان يحقق العدالة للجميع ويحقق الاستقرار والتنمية للدولة.
قانون الجنسية
هل المشكلة في القوانين وقصور التشريعات ام في المواطن نفسه وبإدراكه ووعيه السياسي؟
٭ د.محمد الوهيب: القانون موجود لكنه يخترق، كما لا توجد قوانين تحث او تدعو صراحة للفئوية والصراع الاثني، باستثناء بعض القوانين مثل قانون الجنسية الذي يقسم المجتمع الى فئات ودرجات يفترض الا تكون موجودة ونحن في القرن الحادي والعشرين، لكن بصورة عامة لا توجد قوانين تدعو للفئوية ونبذ الآخر، ولكن ايضا لا توجد قوانين تحارب مظاهر الفئوية التي تمارس في المجتمع، ولا يوجد تطبيق فعلي للقوانين الموجودة اصلا والتي من شأنها ترسيخ قيم المواطنة، المشكلة اذن تكمن في فساد السلطة التنفيذية التي تهيمن بحكم الدستور على ادارة شؤون الدولة وهي المسؤولة عن تطبيق القانون.
٭ د.عبدالحميد الصراف: نحن نعيش في ازمة تلو ازمة والسبب هو عجز الحكومة وسوء ادارتها، فالحكومة لا تقوم بدورها كما يجب، ولو كان المواطن يشاهد بعينه المشاريع التنموية تنفذ في كل مكان لما خرج للشارع وهتف ضد الحكومة، لكن المواطن يشعر كل يوم بتقصير السلطة التنفيذية وتلاعبها بحقوقه، يشعر بذلك حين يذهب للمستوصف والمستشفى وحين يأخذ اولاده للمدرسة وحين لا يجد لهم مكانا في الجامعة وحين يرى الحسرة عليهم وهم ينتظرون لسنوات في طابور التوظيف، في الوقت الذي يخترق فيه معظم السياسيين القانون فيعينون من يرغبون بلا دور او انتظار وفي اي مكان وحتى بلا ادنى مقومات الكفاءة، المواطن يشاهد مظاهر الفساد كل يوم وفي كل اجزاء الوطن، واذا لم تبادر السلطة في اعادة الامور الى نصابها وتتوقف عن اللعبة السياسية التي تدعم فيها طرف على حساب بقية الاطراف، فاننا مع الاسف سننجرف الى مزيد من الانحدار.
٭ د.فارس الوقيان: لدينا ديموقراطية لكن ليس لدينا ديموقراطيون، وهذه مشكلة كبيرة لان البعض يعتقد ان الديموقراطية هبة او هدية، الديموقراطية نشاط واع يحتاج الى تدريب وممارسة، وفي الكويت ليس لدينا مثل هذا التدريب على الاطلاق، كما اننا نعاني دائما من ازمة الثنائيات، سني ـ شيعي، حضري ـ بدوي، ليبرالي ـ اسلامي، وهكذا، وهذا امر خطير، نحن بحاجة الى ان نحسم امرنا ونحدد ماذا نريد، فاما دولة مدنية تحترم كل الناس وتعاملهم على اسس موضوعية بعدالة ومساواة، واما ان ستستمر المعاناة والصراعات، كل ازماتنا ليست في صندوق الانتخابات، وانما في صندوق العقل.
وأين مؤسسات المجتمع المدني من كل ما يجري ومن دورها في نشر الوعي بمفهوم المواطنة السليمة؟
٭ د.محمد الوهيب: معظم مؤسسات المجتمع المدني لدينا لا تقوم بدورها كما يجب، فهي للوجاهة الاجتماعية وأيضا للمصالح الخاصة، وكثير من رؤساء جمعيات النفع العام اقدم من الزعماء العرب الذين اطاحت بهم الثورات، كما ان الدولة نفسها تحارب العمل الشعبي المؤسسي، وتمارس مع اعضاء كثير من هذه الجمعيات نفس الدور السلبي ونفس اللعبة التي تمارسها مع بعض اعضاء البرلمان، وأعني محاولات استمالتهم وكسب ولائهم، وها نحن في المركز الكويتي للمواطنة الفاعلة نحاول منذ اكثر من عامين الحصول على الترخيص بتأسيس المركز دون فائدة بسبب مماطلة وزارة الشؤون، مع ان تأسيس المراكز وجمعيات النفع العام لم تعد تكلف الدولة اي شيء، لا موقع ولا مبنى ولا دعم مادي، وعلى كل حال، الحراك الشبابي الاخير بالنسبة لي يمثل صحوة فاقت كل التوقعات، وجهدا اصلاحيا تجاوز ادوار مؤسسات المجتمع المدني وأعاد الامور الى مسارها، وقد رأينا في تجمعات الشباب وعيا وممارسة ديموقراطية وتضامنا اجتماعيا غير مسبوق والغاء كل الفروقات وتوحد من اجل هدف واحد هو محاربة الفساد.
٭ أفراح الهندال: لاحظ ان الحكومة التي وضعت في خطة التنمية مشاريع تعزيز المواطنة هي ذاتها الحكومة التي تحارب قيام المواطنة الفاعلة القائمة على معايير الدولة المدنية، وهي ذاتها الحكومة التي تلعب على وتر الطائفية والقبلية والمناطقية وتدعم جهات لضرب فئات معينة في المجتمع، نحن بازاء حالة غريبة جدا حيث اصبح المواطن العادي اكثر نضجا ووعيا بمفاهيم المواطنة والمساواة من الحكومة بكل ما تملك من وسائل وقدرات.
٭ د.فارس الوقيان: الحكومة لديها تصوران للمواطنة، تصور سطحي يتمثل في الشعارات والاغاني الوطنية وتعليق الصور ورفع اعلام الكويت، وهذا ما تشجعه الدولة وتصرف عليه ميزانيات ضخمة، مع انه لا يساوي شيئا ولا يحقق اي تقدم وليس له اي نتائج ايجابية، اما التصور الثاني الذي يفترض ان يكون، وهو تأسيس قيم وقواعد العدالة والمساواة والكفاءة فالحكومة لا تدعمه ولا تتمناه، لانها تؤمن بعقلية ميكيافيللية قوامها مبدأ «فرق تسد».
انجازات
أخيرا، مضى على تأسيس المركز عامين تقريبا فماذا انجزتم حتى الآن؟
٭ د.محمد الوهيب: فكرة تأسيس المركز بدأت مع مؤتمر المواطنة الاول الذي تمت بمشاركة شخصيات عربية كثيرة لها وزنها الثقافي، وقد لاقى المؤتمر صدى طيبا ونجاحا كبيرا، ومع المؤتمر بدأ التفكير جديا بضرورة تأسيس مركز يعنى بمفهوم المواطنة الحديثة، وللامانة اقول ان فكرة المركز يعود الفضل فيها بالدرجة الاولى للاخ د.فارس الوقيان، وما انجزناه هو مؤتمر المواطنة الاول ومؤتمر المواطنة الثاني، ومجموعة من الاصدارات المهمة.منشور هنا

تعليقات

المشاركات الشائعة