التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استعجل.. ها قد وصل الموت!


تاريخ الخبر : 06/08/2013 11:04اّخر تحديث : 06/08/2013 11:04
رحيل «شيركو بيكس».. الشاعر الذي صارع الظلم وانسحب بحرِّية

استعجل.. ها قد وصل الموت!

أفراح الهندال

«أنا في بيتي هذه الليلة..
أود طرد العزلة
وأبتعد بكل حريتي..
عن ذلك الهزيل.. جاحظ العينين».
بهذه الكلمات تصدى الشاعر الكردي شيركو بيكس لانسحاب الحياة من حوله، نبوءة الشعراء تجاوزت تفجير المعاني وقراءة المقبل، لتعلن رؤاهم كما فعل بيكس قبل أن يغادر عالمنا الأحد الماضي عن عمر يناهز 73 عاما في مستشفى في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث كان يتلقى علاج مرض السرطان الذي داهمه في حنجرته، ومنع صوته وعجز عن الروح التي كانت تضج بأساها.
كتب وصية يطلب فيها دفنه في حديقة «آزادي» في السليمانية، وكأنه أراد أن يكون مثواه جنة المحبين على الأرض.. التي كانت مقرا عسكريا وسجنا كبيرا باسم «الحامية» في عراق الطاغية المغبور صدام حسين، وصار اليوم اسمها «الحرية/آزادي» في قلب المدينة.
شاعر المقاومة والرفض
ولد بيكس في محافظة السليمانية شمالي العراق في الثاني من شهر مايو العام 1940، ووالده «فائق بيكس» أحد الشعراء الكرد المشهورين وأحد قادة انتفاضة السادس من سبتمبر عام 1930 التي كلفته السجن ثم الإبعاد إلى جنوب العراق.
التحق الراحل بحركات المقاومة الكردية في وقت مبكر من حياته، وبسبب نشاطه السياسي أبعدته السلطات عام 1975 إلى محافظة الأنبار غربي العراق، ووضع هناك تحت الإقامة الجبرية لمدة ثلاث سنوات، وفي أواخر السبعينيات أعادته السلطات إلى السليمانية، وفي نهاية عام 1984 التحق بالمقاومة الجديدة وعمل هناك في إعلام المقاومة وكذلك في اتحاد أدباء كردستان في الجبل.
شاعر مستقل في البرلمان
وبعد سنوات طويلة قضاها في المهجر، عاد عام 1991 بعد الانتفاضة الجماهيرية إلى مدينة السليمانية، رشح نفسه على «قائمة الخضر» كشاعر مستقل، فأصبح عضوا في أول برلمان كردي، وعن طريق البرلمان أصبح أول وزير للثقافة في إقليم كردستان، وبقي في هذا المنصب سنة وبضعة أشهر ومن ثم قدم استقالته من منصبه بسبب ما وصفها «الخروقات الديمقراطية»، فنشر استقالته ورجع مرة أخرى إلى السويد حيث كان يقيم، لكنه عاد أواخر التسعينيات للإقامة في محافظة السليمانية التي ولد فيها.
تفرغ بيكس للعمل الابداعي، وأدار منذ عام 1998 مؤسسة للطباعة والنشر، عنيت بنشر الأدب والثقافة الكردية حملت اسم «سردم».
أعماله الأدبية
في مطلع السبعينيات أصدر بيكس مع عدد من الأدباء الأكراد بيانا دعوا فيه إلى تبنى الحداثة وفتح آفاق ابداعية جديدة في الأدب الكردي.
نشر الشاعر الراحل وباللغة الكردية منذ إصدار أول ديوان له عام 1968 أكثر من 35 ديوانا شعريا، من بينها «باللهيب أرتوي» و«مرايا صغيرة» و «الشفق والهجرة» و«شعاع القصائد» وآخر دواوينه الشعرية حمل عنوان «استعجل.. ها قد وصل الموت».
ترجمت قصائده إلى أكثر من عشر لغات عالمية، ومن بينها قصيدة شهيرة حملت عنوان «رسالة إلى الرب» كتبها عن القصف الكيماوي الذي تعرضت له مدينة حلبجة عام 1988.
في عام 1987 حصل بيكس على جائزة توخولسكي في السويد، التي حصل على حق اللجوء السياسي فيها، وفي 2001 منح جائزه ثيرة ميرد للشعر في السليمانية، في عام 2005 حاز جائزة «العنقاء الذهبية» العراقية.
 
 
شذرات من فكره
• عن «المكان» و»الحواس» و»الأمل» تحدث بيكس في حوار نشرته صحيفة الزمان قائلا: «المكان فسحة وجودنا ومماتنا أيضا، وما المهد واللحد إلا مكانين، لا شيء خارج المكان وما الزمان دون المكان ألا خواء كما أعتقد، المكان يعني ما نتحرك فيه ونفكر فيه ونعمل فيه، حيث يؤشر لوجودنا بكل ما فيه من أصغر خلية، ولنقل غرفة، إلى كوكبنا، هو المكان وهو الحضور الدائم في قصائدي. هو التكوين والاستذكار والهوية. حيث إنني لا أستطيع أن أتصور الحياة دون الأمكنة، دون الحركة فيه ودون الإنسان فيه، إن الرجوع الدائم الى الأماكن يعني ما يتضمن مني ومن ذاتي ومن العقل الإنساني العلاقات التي مزجتها بمحيطي سواء عن طريق الذهن أو الفعل. إن عدم غياب المكان في شعري هو عدم غياب الذاكرة أيضا، أي «عدم النسيان» الذي هو الموت بحد ذاته.
• قصائدي تحفر في أرض الذاكرة لاستعادة ما نسيناه من الينابيع ولاستعادة مياهها الجوفية لكي تتدفق مرة أخرى. الحواس اختصارا تعني الإنسان، تعني التواصل الدائم مع الطبيعة والآخرين. وما الروحي إلا شم الأسرار ولون الحُلم والشعر معاً. فإذا فرغنا الحب من الحواس ماذا يبقى فيه غير الفراغ المرعب؟»
• كان ملتصقا بالواقع اليومي للمجتمع الكردي والمشهد السياسي والثقافي، متابعا للسجالات السياسية والثقافية العربية رغم نقده الصارخ للمثقفين العرب بسبب صمتهم حيال مآسي «الأنفال» و»حلبجة» على يد المغبور نظام صدام حسين، وقد انتقد المثقفين الكرد والعرب على حد سواء، وكان يعتبر السياسة موقفا من الوجود والشعر والفن.
•  عن شعراء الخليج الذين كان يتابعهم بيكس ذكر مرة: «هناك شعراء وشاعرات من الخليج العربي أرسلوا إلي مجموعاتهم الشعرية وقد أحببتها، لكن أبرزهم وأكثرهم قربا إلي وذوي جمهور كبير في وسطنا الثقافي الكردي هما الشاعران المبدعان قاسم حداد وسيف الرحبي».
 
 
مقتطفات شعرية
لا تقرأني كثيرا ..
لأنك تصاب بالعمى من كثرة الدخان
في تاريخي!!
***

إياك أن تعبر هذه القصيدة حافيا
فهي مليئة بشظايا الزجاج!
فقبل قليل سقطت من بين أصابعي رؤياي
إحدى مرايا الحزن
وتهشمت على الأرض!
 
***

محبرة خضراء
رمت بنفسها من فوق رفٍّ،
وبعد دفنها،
عثروا في علبتها على قصاصة
كُتب عليها:
«لقد قتلتُ نفسي، لأن أحد الأقلام
امتلأ بحبري عنوة،
كي يأسرَ سرباً من كلمات نيرودا، المحلِّقة».
 
 
ادفنوني في حديقة «الحرية»

 
• أرسل الشاعر صفاء خلف هذه الالتقاطة بعدسة كاميرته، معلقا: الصورة لبارك أزادي، أي حديقة «الحرية»، والنصب في الصورة لشهداء من البيشمركة، على بعد خطوات من هذا المكان، اقترح شيركو أن يدفن، وبرر طلبه في أن يكون قبره بسيطا، مجرد قبر شاهد وحوله مصاطب لجلوس العشاق، كان يريد أن يتحول قبره إلى مزار للحياة لا للموت، في أن يجلس بقربه الأحبة ويطلقون أمانيهم، فضلا عن تحوله إلى مكان للأمسيات الشعرية والموسيقية، وقتها رفضت بلدية السليمانية الطلب، وقالت إن «كل شاعر في المدينة سيطالب بأن يكون قبره في الحدائق»، لكن هناك مطالبات حثيثة بدفنه هناك. أنا زرت المكان، السليمانية مدينة شعرية بامتياز، أغلب شوارعها وساحاتها بأسماء شعراء.

تعليقات

المشاركات الشائعة