حوار مع مؤسّسة موقع "متن" الثقافي د.سعاد العنزي
حوار مع مؤسّسة موقع "متن" الثقافي / جريدة الكويتية
سعاد العنزي: نسعى لمعرفة تستند إلى أصول الأدب والنقد.. بدلا من المزاجية!
أفراح الهندال*
* الغربة فجرت بداخلي أحاسيس المهمشين والمنفيين في هذا العالم..
* اعتبروني مع الأدب الرديء لأني انتصرت لكتابات الشباب
* المجتمع الإنجليزي منغلق ويؤدي وظيفته كآلة
* ما لا أعرفه وآلفه.. لست مرغمة على حبه وتبنيه
في الموقع الإلكتروني الثقافي الجديد «متن» كتبت الناقدة سعاد العنزي: «إن مفهوم المتن يقتضي دوما البحث عن الهامش، مثلما المركز له أطراف، والعاصمة تقف بجانبها المدينة الصغيرة والقرية، والحي الشعبي، الأولى تحظى بأن تكون مركزا للرواد، والثانية تكون في حيز اللاموجود في وعي الغالب والمهيمن والمسيطر على المجال، أي مجال في هذا الوجود»، ومن هذه المقاربة لنصها «المهمشون في الأدب» انطلقت لتؤسس عالم الكتابة في «متن» مع مجموعة من الكتاب، وهم القاصة بشرى خلفان وسعد الصماني الحارثي وليلى البلوشي، وانضم إليه آخرون كأعضاء فخريين..
«الكويتية» حاورت الكاتبة والناقدة العنزي التي تحضر رسالة الدكتوراه في النقد الأدبي بجامعة مانشستر حاليا.. حول «متن» وعالم الهامش.. انطلاقا من الرؤية الإنسانية الذي اعتنت به.
• من الحيز المتخيل لـ «متن» بين العاصمة والمدينة والمركز؛ أين «المهمشون»؟
- من تلك المقاربة، سأتطرق لمفهوم المهمشين في المجال الإبداعي الثقافي، ولن أتحدث عن المهمشين كثيمات موضوعاتية في النص الأدبي الثقافي، بل سأتحدث عن المبدعين بوصفهم مهمشين، ومقصيين من مراكز الثقافة في العالم كله، وليس العالم العربي وحسب، فمن السطحية أن نتهم بيئة معينة بالتهميش من دون غيرها من المجتمعات الإنسانية، قد يزيد في واحدة منها دون الأخرى ولكنه موجود بنسب متفاوتة، وهذا يعتمد على طبيعة العلاقة بين المتن والهامش.
• لمَ لم يكن «الهامش».. واحتفيتِ بالمتن المتصدر وجوه الثقافة..؟
- رؤيتنا كانت أن ننقل الهامشي ليصبح متنا، لننقله من حيز العتمة إلى حيز الضوء، المتن أشمل وأوسع دلالة، يمكنه أنه يحوي الأساسي، الهامشي، العلاقة جدلية بين المركز والأطراف، والمتن والهوامش، والسائد المهيمن، والموجود على الأرشيف، فلا يوجد مركز إلا وله أطراف، ولا يوجد هامش من دون متن، ومن جانب آخر سعة المتن الدلالية، تجعل هذه المبادرة تضمن الكل، ولا تقف عند فكر الهوامش، متن أتى ليقدم علامة جديدة تساوي مجموع المتون والهوامش، لتكون الصورة الثقافية أبهى وأجمل، نحن لا نستغني عن المتن الثقافي الحالي ولكن نريد أن نضيف عليه، لواجهة ثقافية غنية ومكتملة، فلو قلنا الهامش، فهذا سيعني أننا نحاول إقصاء المتن المتصدي للعمل الثقافي، فنحن هنا نحاول التصحيح بخطأ إقصائي فادح، متن رسالة إبداعية وثقافية للكل من دون استثناء.
أدب الشباب
• هل ثمة حالة تهميش أفضت إلى إطلاق موقع «متن».. أم هي انتصار للمهمشين؟
-من الصعب أن نقول إن أي أحد منا لم يعان من التهميش، أنا تعرضت لمواقف، وغيري تعرض لمواقف، هذه المواقف الحاصلة لي أحدثت حالة من الوعي بالذات والآخر، وطريقة تبادل المعرفة في الوسط الثقافي، ومن ثم انتقلت لفكرة الانتصار للمهمشين بشكل عام، وللعلم أنا أول مقالة نقدية لي كانت عن شاعرة مبتدئة وقتها، ومن بعدها حرصت على قراءة أعمال المبدعين الشباب، هذا الأمر كان بالنسبة لي عاديا، واعتياديا، وصولا إلى هذا العام، حيث رأيت امتعاضا من البعض كوني أكتب عن الشباب، واعتبروا أني أناصر هذا الأدب الرديء، ولكنه في الحقيقة ليس أدبا رديئا، بل هو أدب مجدد وفيه نبض شبابي جميل، الشباب يريدون من يقرأ لهم، ليصحح لهم مسارهم، والكبار يتعالون عليهم ويترفعون عن إبداعهم، ألا يحق لهذا الجيل المبدع أن يقرأ وينقد ويوجه، ويدعم إن كان مصيبا، ولا ننسى أن هؤلاء المبدعين هم واجهة الغد، فلك أن تتخيلي واجهة المستقبل وهي متروكة من دون تقويم ونقد وتحليل.
من جانب آخر، كتب مزيد بن ثاري، وهو شاب كويتي مبدع، مقالة معنونة بـ «دعوة سعاد»، هي من فجرت هذه الفكرة بداخلي ودعتني للقيام بهذه الخطوة،
الأسباب كثيرة، لإطلاق متن، من الصعب اختزالها، لذلك أكتفي بما ذكرت.
• أي أفق ينتظره هذا الموقع؟
-»متن» في طور التكوين، ولكن كلنا أمل، أنا والأعضاء الفخريون والمؤسسون، أن يكون فضاء ثقافيا يحلل وينقد الإبداع، وينتج المعنى بطريقة منهجية رصينة تعتمد على المبادئ والأساسيات في إنتاج المعرفة، وأن تستند على أصول الأدب والنقد والفكر والفلسفة بدلا من المزاجية والاعتماد على الأهواء الشخصية، وأن يتبدل نظام التفكير من تفكير سطحي هش إلى ما هو عميق وأصيل ومتطور ومنظم، أيضا نحاول أن يكون في المستقبل نوع من الإلمام بالحقول الجمالية الفنية المتعددة، كالرسم والموسيقى والميديا، ولكن لابد أن يكون معنا متخصصون بهذه المجالات.
المواجهة والإصرار طريقنا
• طالت المهمشين محارق الكتب ومنافي الفكر ومقاصل العقول.. أي توجس يعتمل في «متن» من هذه؟
-أنا لا أتوجس من هذا أبدا لأنني مؤمنة باستمرار رسالتي وأعضاء الفريق، فحتى لو أقصي متن، وأعضاء متن فنحن في المقابل سنؤسس شبكتنا الثقافية التي نشتغل عليها، ليس مهما أن نحظى بمباركة الجميع، ولكن يسعدنا أن بدايتنا كانت مباركة بعدد لا بأس به من المثقفين المعروفين.. الاستمرار والمواصلة والتحدي والإصرار هي طريق المواجهة، مع التأكيد على عدم استفزاز الآخر.
• ما مدى حضور الرقابة على كتابات المشاركين فيه؟
-الرقابة بالنسبة لنا كفريق هي رقابة فنية تحرص على تقديم الأدب بحلة فنية أدبية راقية ورصينة، رقابة تمنع الأساليب الضعيفة والركيكة من الانتشار إلا مصحوبة بنقد شارح لسلبياتها ومحطاتها الإيجابية، كما أننا من ناحية فكرية لا ننشر النصوص المتطرفة ضد الأديان والأقليات، أو المفرطة في إباحيتها، أو تلك التي تقدم معرفة مغلوطة لا تستند إلى منطق سليم.
• هل يمكن للمواقع الإلكترونية أن تصنع ثقافة؟
-المواقع الإلكترونية تصنع ثقافة إذا كانت قادرة على جذب المتلقي، كما أنها بفضل هذا التطور التكنولوجي الكبير أصبحت تلعب دورا هاما، وهي في النهاية جزء من كل في نشر الثقافة، مع التأكيد على دور بقية وسائل نشر الثقافة، إذا كان تويتر وفيسبوك يصنعان ثقافة، وثورة، فأتوقع أن المواقع الإلكترونية قادرة على ذلك.
• كيف تقيمين الحراك الثقافي في عالم الإنترنت؟
-حراك جيد ولكن هو بأمس الحاجة إلى التنظيم والتأصيل الجيد، وتأسيس ثقافة الحوار وتعدد الأصوات، ونقد الذات والآخر، والابتعاد عن الشللية، حيث تكون الفعاليات الثقافية مجرد «مواجيب اجتماعية».
• هل من محاولات لك لنقل صورة عن المهمش في المشهد الثقافي الكويتي إلى الغرب؟
- لضيق الوقت لم أتمكن من ذلك بشكل كبير، ولكن هناك إسهامات محدودة في ربط أدب البدون بإشكالية الهوية الفلسطينية، من مثل أعمال الشاعر دخيل الخليفة، عرضت لها في مؤتمر أقيم مؤخرا في جامعة مانشستر، وأيضا في بحثي الدكتوراه.
مواقع التواصل.. شكل إبداعي
• في الغربة لم تقاومي الحضور فكريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والموقع الذي تشرفين عليه.. أليس شكلا من الانغلاق؟
-أمضيت ثلاثة أعوام في الغربة بعيدا عن هذه الوسائل، وحتى صفحتي في فيسبوك شخصية أكثر من كونها ثقافية، ولكن منذ عام بدأت أكتب بشكل مكثف في تويتر، وفي أكثر من صحيفة، لتقديم رسالة إبداعية إنسانية، بعد ثلاث سنوات لم يعد البعد محتملا، كما أن الوجود في خارج البلاد لا يعني الانقطاع عن الوطن والفكر والثقافة الأم، أما فيما يخص الانغلاق، فيعتمد على مفهومنا للانفتاح على الآخر، فمن حيث التعامل مع الأشخاص البريطانيين، فعلاقتي معهم لا تخرج عن إطار العلاقة العملية التي تفرضها طبيعة العلاقة بيننا وبينهم، المجتمع الإنجليزي مجتمع منغلق، ولا يشجع على الدخول إلى عالمه، يحق لك الاستمتاع برؤيته فقط وهو يؤدي وظيفته كأنه آلة، أما إذا كان الانفتاح بمفهوم المعرفة فأنا منفتحة على قراءة الفكر المعرفي الذي قدمه لي فضاء الغربة، في الدروس الجامعية والمحاضرات والقراءة الحرة، وفيما يخص النشر والتأليف بوسائل نشر إنجليزية، هي خطوة تحتاج مني تأملا أكثر، القارئ الغربي ليس بحاجة لما أقدمه مثلما هو ابن وطني، أعتقد أن ما أحاول أن أقوم به هو أن أقع موقعا وسطا بين الثقافتين، وهذه نظرة عادلة بالنسبة لي.
• ما الذي أضافته الغربة لك؟
-الكثير الكثير، الغربة أضافت لي بنية معرفية حقيقية تستند إلى الأصول المعرفية لأي حقل ثقافي.
الغربة أفادتني في الجلوس أكثر مع ذاتي وتأملها جيدا، ومكنتني من التعرف على الكثير من أنماط السلوك الإنسانية، كما أنها عمقت بداخلي الإحساس بنزعتي الإنسانية ودوري الحقيقي في الحياة، الغربة وطدت بداخلي أواصر الانتماء للوطن والأهل والأصدقاء، وفجرت بداخلي أحاسيس المهمشين والمنفيين في هذا العالم.. الغربة هي طريق معرفة الذات في مرآة الآخر..
طموحات تمثل جيلنا
• كيف تقيمين إعادة التغريد واللايك والتعليقات المقتضبة.. أمام أهداف «متن»؟
-البداية كانت جيدة، لمشروع مفترض، لا ألوم من لم يعلق أو يشارك أو ينضم للحساب، لسبب أن الناس مازالوا يجهلون «متن» وماهية تطبيق الأهداف، وما لا أعرفه وآلفه، لست مرغمة على حبه وتبنيه.
• ما الطموحات التي مازلت تسعين لتحقيقها؟
-خارطة ممتدة من الأحلام يا أفراح، جميعها تصب في نشر الوعي والثقافة في العالم العربي، وإضفاء نزعة إنسانية تشمل حياة كل فرد منا، أريد للنزعة الإنسانية أن تطغى على مظاهر حياتنا، وأريد أن يشعر كل فرد منا بمسؤوليته المعرفية والإنسانية تجاه نفسه والآخر، هل هذه الأشياء تعد طموحات شخصية؟ نعم هذه طموحاتي الشخصية، التي أراها تمثلني وتمثل جيلي من المبدعين.
* الغربة فجرت بداخلي أحاسيس المهمشين والمنفيين في هذا العالم..
* اعتبروني مع الأدب الرديء لأني انتصرت لكتابات الشباب
* المجتمع الإنجليزي منغلق ويؤدي وظيفته كآلة
* ما لا أعرفه وآلفه.. لست مرغمة على حبه وتبنيه
تعليقات
إرسال تعليق