Saturday, February 07, 2009
من أجل أطفال عمالقة.. يريدون قراءة كتب العالم
من صحيفة اوان الكويتية
من أجل أطفال عمالقة.. يريدون قراءة كتب العالم
من أجل قراءة يعتبرها الطفل رحلة ممتعة |
ألبرتو مانغويل، صاحب كتاب «تاريخ القراءة»، بدا ضخماً جداً حين حوّل الحروف الصغيرة الضئيلة إلى كلمات، مركّبا الحروف التي تعلمها من مربّيته، ليحوّلها إلى كلمات وحقائق حيّة يستعيد لحظتها قائلا: «أحسست بأنني أصبحت إنسانا جبارا، كنت أستطيع أن أقرأ!».
لم يرق لمانغويل أن تنتابه القزامة أمام لغة أو كتاب؛ فكان يتحدث ويكتب بلغات عدة، وبدءا من عمر الرابعة الذي تيقّن فيه أنه يستطيع أن يكتب ويقرأ أبدا؛ انطلق في تدوين فِكَره الفوضوية ليرتّبها انطلاقا من نفسه، وعبر كتب لا حصر لها لتأتي خلاصته في «تاريخ القراءة» التي اعتبرها مفتاح فهم العالم، ومعتبرا إياها سر الحياة فيقول: «اقرأ كي تحيا».
قافلة قرّاء
وحين تحدث مانغويل عن علاقته بالأديب الأرجنتيني الكفيف «خورخي لويس بورخيس» الذي كان يقرأ عليه في «بوينس آيرس» مدة عامين كاملين يوما بعد يوم بكل استمتاع وبهجة؛ يرصد أمثاله الذين سبقوه من عشاق القراءة كأرسطو وابن الهيثم ومريم المجدلية وريلكه، وذلك الأمير الفارسي الذي كان يأخذ معه في رحلاته الطويلة مكتبته المكونة من 117 الف كتاب على ظهر قافلة من الجمال، مصنفة بحسب الحروف الهجائية، لتتجلى نشوته في الحديث عن المارقين على القوانين باختراق حظر القراءة وتعلم الكتابة من عبيد أميركا في أزمنة الرّق والعنصرية المهددين بالقتل إثر جرمهم العظيم! ليؤكد مانغويل أخيرا بقوله: «حين أفترق عن كتبي أشعر أني أموت».
هذا الطفل/العملاق بقراءته تملّك النشوة القرائية إثر دهشة طفلة على يد مربية؛ وتلك القافلة من العشاق جذبهم السحر نفسه، وليست بنهاية مباغتة أن تكون خاتمة عاشق قراءة قبرا محيطه الكتب، كما انتهى الجاحظ إثر سقوط مكتبته فوق رأسه!
عشت لأروي
حتى ماركيز، ذكر عندما دوّن مذكراته بعنوان «عشت لأروي» التي أصدرتها دار المدى بترجمة صالح علماني؛ قال عن أهم لحظات حياته حين اصطحبته أمه لبيع البيت: «لم يكن بإمكان أمي ولا بإمكاني طبعاً، أن نتصور، مجرد تصور، أن تلك الرحلة البريئة التي استمرت يومين فقط، ستكون حاسمة إلى ذلك الحد بالنسبة لي، حتى إنه لا يمكن لأطول حياة وأكثرها اجتهاداً أن تكون كافية لروايتها. والآن، وقد تجاوزت الخامسة والسبعين، أعرف أن ذلك القرار كان الأهم بين كل القرارات التي توجب عليّ اتخاذها في حياتي ككاتب. هذا يعني: في حياتي كلها». وفيها يعترف ماركيز بأن عثوره مصادفة على كتابٍ «مهمل، أصفر، تكاد أوراقه أن تتمزق في مكتبة جدي» -كما عبّر- ويحمل عنوان (ألف ليلة وليلة)، ويكمل: «هو ما صنع مني أديباً، بعد أن سحرتني الحكايات التي بداخله، وأكثر ما شغفت به هو دور الرّاوي».
أطفال عمالقة
لا بد من أن نهيئ لأطفالنا العوالم والطقوس التي تصنع منهم العملاق «المانغويلي» أو «الجاحظيّ»؛ لابد من مكان وزمان يتم احترامهما لنسج عوالم تجذب هذا الطفل الصغير إلى رحلة لا تنتهي من الاستكشاف بالكتب، رحلة شائقة ماتعة ثرية وكثيرة الأسئلة والألوان! فهي مؤونة عمرهم من الخبرات والمعلومات وأساليب الحديث والتعامل والمعيشة والحياة.
تذكر إحدى الدراسات أن الكاتبة كاترين باترسون قابلت طفلا فسألها: كيف أقرأ كل كتب العالم؟ ولم يكن سبب تساؤله سوى معلمة نجحت في تقديم القصص بطريقة شائقة وخيالية منذ سنوات عمره الأولى، طريقة جعلته يرغب في أن يكون عملاقا يمكنه قراءة «كل كتب العالم»!
العقاد نفسه كان عملاقا ضجرا بعالمه، حين سئل عن سبب ولعه بالقراءة أجاب: «لأن حياة واحدة لا تكفيني»، القراءة عملقة.. القراءة سلطان.. والقراءة أكثر من حياة.
وهل من مصير غير المعرفة والعرفان
ردحذف